Atwasat

ديستوبيا بايدن: غزة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 07 مايو 2024, 04:16 مساء
أحمد الفيتوري

أما بعد
من استعد أن يقتطع من وقته الفارغ بعض الوقت، فتابع عواجل الأخبار خلال الأشهر الفائتة، لاحظ أن الخبر الرئيس المكرور: أن الصفقة تتم، وأن الرئيس الأميركي متفائلٌ لائماً حماس على تقاعسها. وأن الصفقة ليست لها علاقة بتصفية حماس واجتياح رفح، فهذان أمران لابد أن يتما، لكن بعد إبعاد المدنيين من ساحة المعركة، وحزر فزر من هم المدنيون؟ حيث يبدو أن الأربعين ألف فلسطيني الذين قتلوا، حتى ساعة كتابة هذا، غير مدنيين. وكل هذا يجيء في إطار استعداد جو بايدن رئيس الولايات المتحدة، ووزير خارجيته بلينكن لما بعد غزة، حيث يقوم وزير الدفاع الأميركي، من خلال المقاول الجيش الأميركي تنفيذ ميناء موقت، تكاليفه تقريبًا 40 مليون دولار وينجز خلال شهور ما تستغرقه عملية رفح. وفي هذا الحال والوقت، يتم تركيز إعلامي مدوخ حول نتانياهو، باعتباره المسألة كل المسألة في حرب غزة!

إذًا ما بعد غزة هو مشروع بايدن لحل المسألة الفلسطينية، المشروع الذي مبتدأه ما تم إنجازه من خلال الجيش الصهيوني بقيادة ودعم جيش بايدن، وتم ذلك من خلال سياسة الأرض المحروقة فعلًا لا قولًا، فقد تم تحويل «غزة» إلى المدينة الخراب بعد دك كل أركانها، فبعد طوفان بايدن لم يتبق جبل يؤوي ابن نوح. بل وإن التواجد في غزة بات خطرًا، فغير ممكن، كما حصل في هيروشيما أو تشرنوبل، وبالتالي الترحيل مهمة سلام وأمان من الضرورة القيام بها، وهي مهمة منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، لأجل إنقاذ من تبقى من بشر، والشعار: من أجل البقاء.

هذه الحملة سيتكالب الخيرون لأجل القيام بها، وتفتح المعابر والميناء لإنقاذ البشر، من ستتوزعهم الدول كافة من أستراليا حتى البحرين ومن أميركا حتى المغرب الأقصى. ويجيء هذا في سيناريو أو تصور بايدن كما وقع في أفغانستان، فتتدافع الناس من شر الوسواس الخناس كما الهارب من الطاعون. وإن هذا التصور التوقع مبني على معنى عند الإدارة الأميركية، حامي حمى إسرائيل، هذا المعنى يفصل بين غزة والضفة كما جاء عقب مشروع أوسلو، حيث في 2008م تم الفصل القطعي بين فلسطينيِ الضفة والقطاع، ومنه اعتبرت غزة قطاع النار، ما لا يمكن إطفاء لهيبها، لهذا من يتبقى حيًّا من سكانها يذهب إلى الشتات.

أما قبل
تفرغ جو بايدن رئيس الولايات المتحدة، ووزير خارجيته بلينكن وبقية الإدارة الأميركية، منذ أكثر من سبعة أشهر لحرب الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث حسب الأمم المتحدة، قتل ما يصل 40 ألفًا، 100000 جريح، ما يصل 10000 تحت الركام، وتم تدمير أكثر من 70% من القطاع، مبان وتجريف أرض، وأن الركام بحاجة لإزالته إلى 4 سنوات، أما إعادة الإعمار «بالأموال الخليجية» فيحتاج إلى أكثر من 14 مليار دولار و40 سنة لاستكماله. وقد أكد أمين الجمعية العامة للأمم المتحدة أن ما حدث في القطاع لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، بمعنى ما أن غزة كانت كما هيروشيما في تلك الحرب.

أذكر أنني كتبت ونشرت مقالة بعنوان: «غزة هيروشيما جو بايدن!»، وذلك ببوابة «الوسط» في يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2023م، ومما جاء فيها: [لقد صرح أحد قادة وزارة الحرب في الدولة اليهودية: أن ما حدث خلال الساعات الأربعة من يوم 7 أكتوبر 2023م لم يحدث منذ 1948م، الحرب التي أعلن فيها تكوين دولة اليهود، فيما اعتبر نتانياهو أن ما حدث تغير استراتيجي في الشرق الأوسط. أما أميركا التي حشدت حاملات طائرتها والاتحاد الأوروبي، فقد أخذوا في اعتبار الأسرى عند حماس مواطنيهم، وطالبوا بإطلاقهم، باعتبار أن مواطني الدولة اليهودية، هم في الأخير مواطنون غربيون.

لقد ترافق مع ذلك حشد إعلامي، مثخن بالأكاذيب المفضوحة، التي غص بالتصريح بها جو بايدن نفسه وغيره من زعماء الغرب، ما يفضح ما في نفوسهم بأن إسرائيل دولة هشة، كل مسّ بها بمثابة اعتداء على أطفال وعجزة. فماذا كان رد إسرائيل، بعد أن أذن جو بايدن لنتانياهو بالتصرف؟ إعلان الحرب: إعادة المعاد بممارسة كل العنف المتوفر، ضد من تبقى من فلسطينيين سجناء وراء أسوار القرون الوسطى، أسوار الدولة اليهودية، وممارسة مذبحة كمذابح إسرائيل المعتادة، بل والعمل على 1- احتلال غزة، 2- تصفية حماس، 3- تهجير ما ممكن تهجيره ممن تبقى من الفلسطينيين. وهذا كله مما مارسته الدولة اليهودية الغربية في أرض فلسطين، خلال ما يقارب القرن وبدعم من العم سام والغرب. ورغم ذلك، أو على الرغم من ذلك: «أن ما حدث خلال الساعات الأربعة من يوم 7 أكتوبر 2023م ما لم يحدث منذ 15 مايو 1948م»، والخلاصة لقد كانت «حماس» الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023م، كما الطفل الذي أشار لعري الملك، ما لا يريد الكثيرون تصديقه].

التحول الرئيس أن فلسطين لم تعد مسألة فلسطينية أو إقليمية، خاصة أنها قضية التحرر الوحيدة التي لم تنجز. اليوم في العصر السيبراني وأجيال الإنترنت لم يعد بالإمكان تغطية الشمس بالغربال، ولا بالعداء للسامية. ومن هذا فإن القضية ليست اليوم القضية الفلسطينية، بل وجود إسرائيل كدولة أبارتايد، دولة يهودية أوروبية لا مبرر لوجودها. توضح ذلك لأبناء الجامعات الكبرى والصغرى في أميركا والغرب، كما تأكد من ذلك شعوب العالم قبل، وهذا التحول الهيكلي هو الذي على طاولة العالم وفي بيوته، وليس في أروقة مجلس الأمن ومفتاحه الصديء الفيتو الأمريكي.

• غزة الآن أغنية خوسيه أفونسو (زيكا)، التي يرددها البشر صبح مساء:

غراندولا،
المدينة السّمراء
أرض الأخوّة
والشّعب الحاكم
في دروبك أيّتها المدينة،
يتزاحم الأصدقاء
وتتساوى الوجوه
وفي ظلّ شجر البلوط
الذي لا يُعرف عمره
أقسمت أن أتّخذك رفيقتي؛
وأن أكون رهن إرادتك..