Atwasat

ركن العامرية الملامة بين الشيبة والشبيبة

فدوى بن عامر الإثنين 14 ديسمبر 2015, 10:21 صباحا
فدوى بن عامر

جديد قديم ذلك الذي بين من بلغ أشدّه و بلغ أربعين سنة ومن هم دون ذلك، حتى أنه أخذ منحىً مخجلاً للغاية.

حديثي عن بعض الكهول ونخبتهم. فحالهم ينسحب على المجتمع، أو العكس، وعليهم يقع لوم عظيم لحالة الهرج السائدة، ولا أعفي الشباب، وإن كنتُ أعذرهم.

نظرياً، تقود النخبة، إن كانت عاقلة، الجماهير بالتحريض الإيجابي في كل حين وأثناء وبعد نوازل التغيير بما في ذلك التصّدي للفكر الظلامي كالمستشري في مجتمعنا المتخبط كمن به مسّ.

عاش من نعنيهم ردحاً من الزمن غير قصير داخل الديار أو خارجها بأحلام فاشلة ومنجزات مجهرية بخصوص الوطن، وعندما حرّض الشباب بعضهم على التغيير عبر وسائل التكنولوجيا الغائبة عن الكهول حينها ولا زالت، لم تمنع الهيبة الشيبة من القفز بما كانوا به يهذون و فيه أضاعوا السنين والأسنان، فاستيقظوا وأيقظوا معهم أيديولوجيات لبسوها خلال عقود القرن الماضي فلم تغنهم و لم تسمنهم.

رفع الشباب الأعناق لقيادة حكيمة فبسر الكهول بعد نظر فكانوا، بتعبيرالأديب طه حسين،"كالأمل الخائب المكذوب" بسوء التدبير وهزالة التفكير وهزلّية المنطق.. صرخ بعض الشباب بحماسة سيئة التوجيه بعيدة عن اللياقة والكياسة، وبدل الحكمة وسعة الصدر والذكاء في الاحتواء، ما كان من الكهول إلا وقد رجعوا شباباً، ليس في الوسامة والقوة والعزيمة، بل في الرعونة المرعية والخروج عن أناقة القول، ناهيك عن رقي الفعل، و كأن التخلف قدر هذا البلد ولا حياد عنه.

إن كان شبابنا جاهلا وتافها فقد كنّا أجهل و أتفه منه والخارقة أننا لا زلنا.. كنّا شباباً ولا نرى من العالم إلا ما تعرضه المحطة الليبية الوحيدة وهم ليسوا كذلك

هم، الشباب، طالبوا بالحريات فأرسلناهم زرافات للحوريات!! حلّقوا بأحلام عالياً فوق ناطحات بلادهم فأدركتهم دركات جحيم مستعر! الزعم أننا شعب الله المحافظ والحافظ والحقيقة جلية غير مرصودة كما أخبرني الفقي بعد سؤاله الجن.

لسنا من الكاظمين الغيظ إن أخطأوا ولا من العافين عنهم إن زلّوا.. إن شطحوا إلى اليمين أو الشمال هشمنا مجاديفهم، بعين واحدة نرمقهم وفي أضيق زاوية نحشرهم وبكلمة صادقة لا تعجبنا يسطّرونها نقيّمهم، يلازمنا في ذلك عجز الفقي الذي لا يفارقنا.

فكيف نتوخى منهم الوعي الكامل بعد الذي كان..!؟ نحن إذاً ورب الكون لفي غياهب جب سحيق والأمل مبتور بمرور سيّارة لالتقاطنا ولو لبيعنا بضاعة في سوق العبيد.

من حقهم أن يذنبوا و ليس للكهول.. من حقهم أن يصرخوا و ليس للكهول.. من حقهم ألا يغفروا ولا يجوز للكهول.. اُستكثر عليهم كل شيء وأُلقي عليهم كل شيء و أُخذ منهم كل شيء.. حتى أكباد أمهاتهم قد التهمت التهاماً مسعورا.

و إن كان شبابنا جاهلا وتافها فقد كنّا أجهل و أتفه منه والخارقة أننا لا زلنا.. كنّا شباباً ولا نرى من العالم إلا ما تعرضه المحطة الليبية الوحيدة وهم ليسوا كذلك.

كنّا شباباً نرسل الخطاب ليصل بعد شهر لمن لنا في الخارج وهم ليسوا كذلك.
كنّا شباباً نتغذى على بعض كتب من هنا وهناك وهم ليسوا كذلك.
مدارسهم هي مدارسنا وجامعاتهم هي جامعاتنا إلا أننا المتعلمون وهم الجاهلون.

هؤلاء هم نحن يا ولدي الجميل.. كهول اليوم.. إنجازات ورقية وتطلعات سطحية ولا تطالعنا إلا خيبتنا.. ولا لوم إلا على أنفسنا ولا وزر إلا علينا..

نظر ولدي بعينيه الشابتين البراقتين صوبي وهَمّ بالقول.. فقاطعته ذاكرة الفاخري رحمه الله راثياً صديق عمره"لقد بح قلبي" يا ولدي.. المستقبل والأمل معقود بنواصيكم الشابة وما للشيبة إلا الموت ومن بعده المعاد وفي رقابهم ألف ألف من الذنوب و ملايين دعوات المبتورين المظلومين.