Atwasat

الدروس المستفادة من اليمن

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 01 فبراير 2015, 05:34 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

ما الخطأ في الحكومة التي تدعمها الولايات المتّحدة في اليمن، وما تداعيات ذلك على عمليات مكافحة الإرهاب الجارية هناك ضد أخطر فروع تنظيم القاعدة؟ تُعد الإجابة عن هذَيْن السؤالَيْن مثيرة للقلق.

وصف الرئيس أوباما اليمن في شهر سبتمبر الفائت بأنه دولة تقوم فيها الولايات المتحدة (بنجاح) «بطرد الإرهابيين الذين يهددوننا، وفي الوقت نفسه دعم الشركاء على الخطوط الأمامية». وكان بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية يخشون من أنْ يرتد تفاخر أوباما على نفسه، وهذا ما حدث، فبعد أسبوع واحد فقط استولى المتمردون المنتمون لحركة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء.

وفي الأسبوع المنصرم، استقال الرئيس عبد ربه منصور هادي، بعد مرور أربعة أشهر من التعرض لضغوط متواصلة من الحوثيين وعقب انهيار الجيش. وبات اليمن شرخًا آخر في شرق أوسط آخذ في التصدع.أما القوتان الأبرز، وهما الحوثيون المدعومون من إيران وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فكلاهما معارض بشدة للولايات المتحدة. ما حدث في اليمن لا يختلف كثيرًا عن الذي حدث في دول عربية أخرى ارتجت بفعل ثورات الربيع العربي. فالجيوش التي كانت تبدو شديدة البأس تحت حكم طغاة مستبدين انهارت أمام المسلّحين. لم يتسبب التدخل العسكري الأميركي في هذا التفكك، كما لم يتسبَّب فيه الانسحاب الأميركي.

الاستنتاج الواضح الذي نغفل عنه أحيانًا هو أنَّ هذا التاريخ يكتبه العرب، وليس الأجانب. يمكن للمساعدات الخارجية أن تساعد الحكومات القائمة القوية على نطاق واسع، لكنها لا تستطيع مساعدة الحكومات الهشة والمستقطبة.
كان اليمن يبدو وكأنه المكان الذي استخلصت منه الولايات المتحدة عبرًا ودروسًا من كارثة غزو العراق عام 2003. كانت الولايات المتحدة ترغب في تغيير الديكتاتور علي عبدالله صالح، لكن الاتفاق على تعيين هادي في فبراير 2012 تم عن طريق قوى إقليمية تابعة لمجلس التعاون الخليجي. عرضت الولايات المتحدة مساعدة عسكرية، لكن بوجود خفيف للقوات الخاصة، وليس على شاكلة الجيش الذي احتل العراق. وسعت الولايات المتحدة للتوصُّل لحل وسط من خلال إجراء «حوار وطني» وعملية دستورية برعاية الأمم المتحدة.

وصف الرئيس أوباما اليمن في شهر سبتمبر الفائت بأنه دولة تقوم فيها الولايات المتحدة (بنجاح) «بطرد الإرهابيين الذين يهددوننا، وفي الوقت نفسه دعم الشركاء على الخطوط الأمامية»

كل هذه الأفكار تبدو جيدة، لكن كانت النتيجة حدوث التفكك ذاته الذي حدث في الدول الضعيفة الأخرى. وقد تحطّمت الآمال بالحوار على صخرة واقع ضعف الحكم، والمحسوبية، والنعرات الطائفية والقبلية المتجذّرة منذ عقود.
أعرب دينيس ماكدونو، كبير موظفي البيت الأبيض، عن الإحباط العميق الذي تشعر به الإدارة الأميركية، عندما أقر يوم الأحد الماضي بأنّه «لا يمكننا أن نكون قوة احتلال في مكان مثل اليمن أو سورية على أمل القضاء على ما يسمى (الفوضى)».

ماذا يحدث للجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، في الوقت الحالي الذي انهار فيه الشريك اليمني؟ الإجابة هي أنَّ الولايات المتحدة ستعتمد على «العمل المباشر»؛ بمعنى شن هجمات بطائرات من دون طيار، رغم أنها لم تعد لديها موافقة الحكومة المضيفة. القوات الخاصة الأميركية ما تزال تعد جزءًا لا يتجزأ من بعض وحدات النخبة اليمنية خارج العاصمة. لكن، مع انخفاض تدفق المعلومات الاستخباراتية لمتابعة عمل الطائرات بدون طيار، ستكون الأهداف التي تستهدفها هذه الطائرات أقل دقة بالتأكيد، وسوف يزداد خطر وقوع قتلى في صفوف المدنيين الأبرياء.

هذه حلقة مفرغة آخذة في التشكُّل. وما برحت استراتيجية الإدارة، الغريبة كما كانت تبدو من قبل، كما هي؛ جيث يرى المسؤولون الأميركيون، وهو أمر صحيح، أنه لن يكون بالإمكان إحراز تقدم حقيقي في اليمن دون تشكيل حكومة جديدة تتوافق عليها الأقلية من الحوثيين وأغلبية السكان من السُنّة. ولذلك فهم يسعون للحوار والاندماج ووضع دستور جديد - نفس مزيج الإصلاحات المفضّلة والبعيدة التي كانت أميركا تدعو إليها منذ عام 2011.

على المدى القصير، تتحرك السياسة من منطلق مثل هذه القياسات المنطقية غير الأخلاقية في الشرق الأوسط: أميركا والحوثيون أعداء لتنظيم القاعدة، ويمكنهم لذلك العمل معًا. ما الدرس المستفاد من دراسة الحالة بآمال أميركا المحبطة سعيًا للاستقرار؟ يمكنني أن أقدّم إجابة مدروسة جيدًا من محللي مؤسسة «راند». تتمثَّل الخلاصة التي توصلوا إليها ببساطة في أن الاستراتيجية الأميركية الخاصة بتقديم مساعدات أمنية لا يبدو أنها تنجح في دول عربية متداعية تكون في أمسّ الحاجة إليها. تظهر هذه النتائج المحبطة في تقرير حديث للجيش، بعنوان «تقييم التعاون الأمني كأداة وقائية».

كشفت مؤسسة «راند» من خلال تحليل لبيانات مستمدة من 107 دول خلال الفترة بين عامي 1991 و2008، أن تقديم المساعدات الأمنية، على غرار اليمن «لم يتمخَّض عن انخفاض هشاشة الدول التي تعاني بالفعل هشاشة عالية للغاية". فلم تكن مثل هذه المساعدات "كافية للقضاء على حالة عدم الاستقرار»؛ وذلك لأنَّ الدول الضعيفة لا يمكنها استيعاب المساعدات، وفقًا لمؤسسة «راند». وتتّضح المشكلة بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. وجاءت أفضل النتائج، وفقًا لخبراء مؤسسة «راند»، من المساعدات غير المادية، مثل التعليم وتطبيق القانون ومكافحة المخدرات". وأوضحت المؤسسة البحثية الأميركية أن هذه النتيجة «تدعم الفكرة العامة القائلة بأن الاستثمار في العنصر البشري يُحقّق عوائد كبيرة».

هذه هي الحقيقة المؤلمة من هذا الانعكاس الأخير في الشرق الأوسط. إنَّ تسليح دول ضعيفة مثل اليمن لا يجعلها أقوى. فهذه حرب طويلة تكون أفضل أسلحتها الكتب والقضاة.
(خدمة واشنطن بوست)