Atwasat

الدروس المستفادة من سوق النفط

القاهرة - بوابة الوسط السبت 10 يناير 2015, 03:05 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

إن الهبوط الأخير في أسعار النفط إلى ما دون 50 دولارًا للبرميل يقدّم لنا نفس الدروس المستفادة من التقلبات الحادّة السابقة، تعمل أسواق الطاقة بطريقة يسيئ فهمها على الدوام تقريبًا السياسيون الذين يحاولون توجيها.
ومن المفارقات أن الكونغرس، وسط ظاهرة قوة العرض والطلب التي لا ترحم، بدأ عقد مناقشة حول القضية الرمزية المتعلقة بخط أنابيب «كيستون إكس إل». تشير فرضيات الديمقراطيين والجمهوريين أن القرارات التشريعية ستشكّل المعروض من النفط الخام، ولكن 40 عامًا من الخبرة في المجال تقول خلاف ذلك.

إن «الصدمة النفطية» لتقلبات الأسعار تجعلنا ننسى أنه منذ السبعينات من القرن العشرين، تأرجح سوق الطاقة بانتظام بسبب العرض والطلب. وقد تخيل المنتجون ذات مرة أنهم يستطيعون التلاعب بهذه السوق من خلال منظمة الأوبك. ولكن تعتبر الوفاة الباردة للأوبك كمنظمة قابلة للحياة واحدة من أكبر القصص في العام 2014. فقد اتضح أن هناك الكثير من المنتجين لدرجة تحول دون تحديد الأسعار.

يبقى السعوديون هم أكبر اللاعبين في السوق، حتى لو أدركوا أنهم لا يستطيعون السيطرة عليه لفترة طويلة

ما الذي يفسر التراجع في أسعار النفط بأكثر من 50% منذ منتصف 2014؟ يُرجِع اقتصاديون ذلك إلى رد فعل للقوى التي نشأت منذ انتعاش السوق من آخر انهيار للأسعار في العام 2008 عندما هبطت من أكثر من 130 دولارًا للبرميل إلى ما دون 50 دولارًا. ارتفعت الأسعار الفورية مرة أخرى بحلول العام 2012 إلى ذروة بلغت نحو 120 دولارًا، ولكن أدى هذا الارتفاع إلى تدفق إنتاج جديد. وهذا، جنبًا إلى جنب مع الطلب البطيء، جعل ارتفاع الأسعار أمر لا يمكن تحمله.

تعتبر السعودية هي أفضل من فهم واقع السوق على ما يبدو. وهذه الحقيقة قد تفاجئ الأشخاص الذين يتذكرون أن السعوديين هم من قاموا بهندسة حظر 1973-1974. ولكن بعد عقود من محاولة السيطرة على السوق من خلال تقنين الإنتاج، أدرك السعوديون أنهم سيعيشون حياة أفضل في هذا العالم عند زيادة المعروض؛ نظرًا لأن إنتاج النفط لديهم رخيص التكلفة.

«لماذا يجب على منتِج منخفض التكلفة أن يدعم الأسعار للحفاظ على وجود المنتج مرتفع التكلفة؟» هذا هو السؤال الذي طرحه نات كيرن، ناشر «فورين ريبورتس»، وهي رسالة إخبارية رائدة في مجال النفط. يلاحظ كيرت أن السعوديين أوضحوا في ديسمبر 2013 أنهم اكتفوا بدورهم كمنتج مرجّح «أي من يرتفع بإنتاجه ويخفضه وفق حاجة السوق».

يبقى السعوديون هم أكبر اللاعبين في السوق، حتى لو أدركوا أنهم لا يستطيعون السيطرة عليه لفترة طويلة. ويقول روبنسون ويست، وهو مستشار كبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «قد تكون الأوبك ميتة، ولكن السعودية ليست كذلك. والمغزى من القصة هو أن المملكة العربية السعودية لا تزال البلد المهيمن في هذه الصناعة».

إن هذا التحول الأخير في العرض والطلب بدأ بشركات النفط الصغيرة وليس العملاقة؛ أي بدأ مع شركات إنتاج الغاز الأميركية المستقلة. يلاحظ ويست أن هذه «الشركات الصغيرة» طورت تكنولوجيا التصديع قبل عقد من الزمن لإنتاج الغاز من تكوينات الصخر الزيتي، واستفادت من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي وقتها. انخفضت أسعار الغاز مع زيادة العرض، لذلك تحول المنتجون بتقنيتهم الجديدة نحو النفط، الذي جرى تداوله بسعر عالمي أعلى بكثير. إن الأسواق، وليس سياسة الحكومات، هي التي قادت هذا النشاط.

وقد أضافت ثورة النفط الصخري أكثر من مليون برميل يوميًا لإنتاج النفط في الولايات المتحدة، مما جعل أميركا قوة عظمى في الطاقة على قدم المساواة مع المملكة العربية السعودية أو روسيا. ومع انهيار الأسعار في الآونة الأخيرة، قد تتوقف بعض عمليات التنقيب عن النفط الصخري. لكن هناك دراسة قام بها سكوتيا بنك حول تكاليف عمليات النفط الصخري الكبرى، حيث ورد ذكرها مؤخرًا في تقرير لموقع شركة «ڤوكس» الإعلامية، تؤكّد أنه من المرجح أن يستمر الإنتاج من حقول باكن في ولاية داكوتا الشمالية وبعض احتياطيات النفط الصخري الضخمة الأخرى، حتى مع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 60 دولارًا.

أصبح النفط سلعة استراتيجية حاسمة في السبعينات، وغالبًا ما استُخدم كسلاح ضد أميركا. لكن يبدو أن انهيار الأسعار في الآونة الأخيرة يعزّز من نفوذ الولايات المتحدة في السياسة الخارجية، حيث تعتمد كل من روسيا وإيران، وهما خصمان محتملان، على صادرات النفط بشكل أساسي. ومع انخفاض أسعار النفط، فإنهما بحاجة إلى زيادة الإنتاج والصادرات إن أمكن.. وهو ما سيضيف إلى وفرة الإمدادات العالمية.

أضافت ثورة النفط الصخري أكثر من مليون برميل يوميًا لإنتاج النفط في الولايات المتحدة، مما جعل أميركا قوة عظمى في الطاقة على قدم المساواة مع المملكة العربية السعودية أو روسيا.

لا أحد يعرف كم ستطول مدة دورة السوق هذه، ولكن يقول اقتصاديون إن الأسعار المنخفضة ستستمر، طالما بقيت السعودية على إنتاجها بقوة. ويرجع ذلك إلى وجود الكثير من المنتجين المتعطشين للحصول على المال.. مثل روسيا وإيران والعراق وليبيا وفنزويلا، ناهيك عن منتجي النفط الصخري الأميركي الجديد.

في الوقت نفسه، يخوض الكونغرس معارك على خط أنابيب كيستون. ووفقًا للأسعار الجارية، تبدو التكلفة العالية نسبيًا للنفط الرملي الكندي أقل جاذبية. ولكن إذا كانت الأسعار مناسبة، فسيشق هذا النفط طريقه إلى السوق، عبر السكك الحديدية إن لم يكن عبر خط أنابيب.

سيكون الكونغرس حكيمًا إذا استلهم العظة من السوق، كما تعلم السعوديون. فتجاهل مؤشرات الأسعار بمثابة ضمانة لسياسة طاقة سيئة.

(خدمة واشنطن بوست)