Atwasat

«الحل» الوحيد

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 29 أكتوبر 2023, 05:55 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

أذكر، في سنة من بداية ثمانينيات القرن الماضي، ظهرت في التلفزيون الليبي صبية فلسطينية تقرأ قصيدة بالعامية الفلسطينية استلفتت منها انتباهي جملة تقول «والحل صار بدو حلول»!

والجملة مؤداها أنه عندما يرتجل حل لمشكلة ما تتولد عن هذا الحل مشاكل أخرى توضع لها حلول، مرتجلة أيضاً، تتولد عنها، بدورها، مشاكل أخرى، وهكذا..
وهذا في تقديري ينطبق تماماً على «المسألة اليهودية» في أوروبا التي ارتجلت لها القوى الإمبريالية، بريطانية تحديداً، حلاً وهو تنصيب دولة يهودية على أرض فلسطين.

هذا الحل تولدت عنه مشاكل أخرى ناتجة عن عدم تقبل «الجسد العربي» لهذا «الفايروس» فسعى إلى مقاومته.
كانت مناعة «الجسد العربي» لهذا الفايروس ضعيفة، لكنها لم تكن منعدمة، فاندلعت أربعة حروب في المنطقة، سنة 1948، سنة 1956، سنة 1967، سنة 1973. حققت هذه الدولة الاستعمارية الاستيطانية اليهودية الصهيونية العنصرية، المسماة «إسرائيل» انتصارات كاسحة في معظمها.

كانت هذه الحروب ضد جيوش عربية نظامية. لكن ظهرت مشكلة أخرى، هي اندلاع المقاومة الفلسطينية على حدود «إسرائيل»، الأردن ثم لبنان، فزعزعت اطمئنان «إسرائيل».
سنة 1982 استطاعت «إسرائيل» إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان وتشتيتها على بعض الدول العربية.

في هذا الوضع الجديد لم يجد الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد حرب 1967، بُداً من الاعتماد على أنفسهم.
فاندلعت الانتفاضة الأولى بين سنتي 1987- 1991، التي هب فيها الشباب والأطفال بمواجهة جيش الاحتلال بالحجارة، وسميت «ثورة الحجارة».
بعد إبرام اتفاقية أوسلو ونشوء السلطة الفلسطينية هدأت الأمور، لتندلع الانتفاضة الثانية، أو «انتفاضة الأقصى» بين سنتي 2000- 2005.
جرت عمليات كر وفر بين المقاومة الفلسطينية و«جيش العدون الإسرائيلي»، ترتب عنها انسحاب هذا الجيش من قطاع غزة سنة 2005.

لن نخوض هنا في تفاصيل أكثر في وقائع الحرب والقتال بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال والعدوان هذا، ونمضي مباشرة إلى الحدث الإعجازي المبهر الذي اجترحته المقاومة الفلسطينية في السابع من الشهر الحالي والذي كشف ضعف هذا الجيش الذي بولغ في الدعاية لقوته التي لا تُقهر، وهشاشة دولة العدوان. فللمرة الأولى، في تاريخ هذا الكيان المصطنع، يتكبد جيشه هذه الهزيمة النكراء ويتهدد وجود هذا الكيان ويصبح أكثر من مئة وعشرين ألفاً من مواطنيه نازحين داخل أراضي الكيان يعيش عدد كبير منهم في الخيام مثلما حدث ويحدث للفلسطينيين. وتستنفر القوى الاستعمارية الإمبريالية، أميركا تحديداً، قواها من أجل إنقاذ هذا الكيان المصطنع. كل ذلك في حوالي ثلاثة أسابيع.
فماذا سينتج عن هذا الصراع الوجودي؟

يقول خبير عسكري استراتيجي لبناني إن إسرائيل ستكون مهزومة إذا لم تنتصر (لأنها وضعت سقفاً عالياً لهدفها من هذه الحرب وهي تصفية حماس وتهجير الفلسطينيين إلى الدول المجاورة) وأن حماس ستكون منتصرة إذا لم تهزم (أي إذا لم يتحقق الهدفان «الإسرائيليان» المشار إليهما).
في هذه الحالة، التي من المؤكد أنه ستؤول إليها الأمور، ماذا سيكون الحل؟

هناك الحل المطروح منذ أمد بعيد وهو «حل الدولتين». لكن هذا الحل لن ترضى به فصائل المقاومة الفلسطينية الإسلامية والوطنية، لأنه يمثل إقراراً فعلياً بالوجود الاستعماري الصهيوني على الأرض الفلسطينة، أي أن هذا «الفايروس» سيظل قائماً وستكون الدولة الفلسطينية المقترحة، إن قامت، دولة صورية منزوعة السلاح خائرة القوى. كما أنه لن ترضى به «دولة» الكيان الصهيوني لأنه يمثل قنبلة موقوتة وخطراً محتملاً.

هناك «حل الدولة الديموقراطية» على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا. وهذا الحل لن ترضى به فصائل المقاومة الفلسطينية الإسلامية التي تتصدر المشهد الآن، لأنها، فعلياً، لا تؤمن بمبادئ الديموقراطية، وإنما تسعى إلى إقامة دولة خلافة إسلامية، ولن ترضى به الحركة الصهيونية لأن هذا يصفي وجودها كـ«دولة يهودية» أو «دولة لليهود» وسيصبح اليهود في هذه الدولة أقلية ضعيفة محدودة التأثير. هذا إذا ما غضضنا النظر عما ستكون عليه المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية وما إلى ذلك.

فما هو الحل إذن؟
يبدو أن الحل الوحيد الممكن هو استمرار الصراع واستدامة الحرب، وانتظار ما تفضي إليه.