Atwasat

في انتظار حدوث معجزة!

جمعة بوكليب الأربعاء 30 أغسطس 2023, 03:20 مساء
جمعة بوكليب

أحد تعريفات المعجزة معجمياً، أنها عمل يخرج عن المألوف ويبعث على الإعجاب. وأمر نادر الحدوث يعجز الإنسان العادي عن الإتيان به. وعلمنا المسبق بحقيقة نهاية عصر المعجزات، لا أظنه يقف حائلاً بيننا وبين الرجاء في عودتها وتحققها في ساعات وفي ظروف معينة.

نحن في ليبيا، مثلا، نتمنى، سرّاً وعلانية، تحقق معجزة تتكفل بتغيير أوضاعنا الحالية المحزنة، وتعيد إلينا ما نحلم به من سلام واستقرار. ورغم علمنا باستحالة حدوث معجزة، إلا أن أملنا في حدوثها سيظل نابضاً في قلوبنا، ما ظلت الأوضاع المحزنة والمأساوية الحالية قائمة.

الليبيون ليسوا وحدهم في ذلك. نظرة واحدة فيما يحدث لشعوب وأمم من حولنا، يجعل الإلحاح والطلب يتزايد على حدوث معجزات تتكفل بإيجاد حلول للأزمات والمشاكل.

وفي أميركا، أقوى دولة في العالم عسكرياً وأغناها اقتصادياً، هناك أيضاً رغبات في تحقق معجزات وليس معجزة واحدة. منافسو المترشح للرئاسة السيد دونالد ترامب في الحزب الجمهوري، لا تكف عيونهم عن التضرع للسماء بحدوث معجزة تخلصهم من خصمهم اللدود، وتفتح أمامهم أبواب فرص الوصول إلى السباق النهائي العام 2024. الرئيس الأميركي الحالي العجوز جو بايدن، في أشد الحاجة، هو الآخر، لحدوث معجزة، تخلصه من أوجاع صداع ملاحقة ابنه من قبل القضاء، وفي الوقت ذاته من الآلام التي يسببها له المترشح الجمهوري ترامب، كي ينعم، في آخر أيامه، بفرصة البقاء في الحكم لفترة ثانية، قبل أن يغادر هذه الدنيا في أي لحظة.

في موسكو، وفي قلعتها الحصينة المنيعة المسماة الكرملين، بقبابها الذهبية وأمجادها التاريخية، يتضرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السماء كي تحدث معجزة تكفل هزيمة أوكرانيا، وتضمن بقاءه في الحكم لفترة أخرى، لا تقل عن فترة العشرين عاماً الماضية، التي تربع فيها على عرش القياصرة الروس.

وكذلك الحال في كييف عاصمة أوكرانيا، وبشكل معكوس طبعاً. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هو الآخر، في حاجة لحدوث معجزة، لا تقل عن هبوط جيوش من كائنات فضائية على وجه السرعة، تتمكن من قلب موازين المعارك في الجبهات، وهزيمة القوات الروسية، ليضمن دخوله صفحات التاريخ منتصراً، بكونه القائد الأوكراني الذي هزم روسيا العظمى.

الأمثلة عديدة ولا حصر لها. وكلها تؤكد أن سكان هذه الأرض، وعلى اختلافهم وتنوع جنسياتهم، في حاجة إلى حدوث معجزات، لأنهم غارقون في الهموم والأحزان والأزمات والحروب والكوارث والمصائب، وليسوا بقادرين على التغلب عليها، كما برهنت الأحداث، رغم أنهم، أو بالأحرى أغلبهم، في لحظات صفاء الأمزجة، مستعدون لدفنك في التراب حيّاً، لو تجرأت وتحدثت أمامهم عن حدوث معجزات، لم يسبق لهم السماع بها من قبل، حدثت في دولة اسمها ليبيا. وتقص على مسامعهم مثلاً قصة معجزة المعزة التي تطير في الهواء بلا جناحين، أو معجزة القنفذ، الذي يتحدث بفصاحة يحسده عليها علماء اللغات.

هذا الازدحام الدولي على شباك طلب حدوث معجزات، يذكرني بالازدحام على شباك التذاكر في سينما الرويال بطرابلس، في فترة زمنية سابقة، لمشاهدة أحد أفلام الممثلة الأميركية الراحلة راكيل وولش.

ولأن «الكثرة تحرم الود» كما يؤكد على ذلك مثل شعبي قديم، فإن تحقيق كل الطلبات، في وقت واحد، يدخل في قائمة المستحيلات. وعلى كل المتقدمين تنظيم صفوفهم، والوقوف في طوابير طويلة، والتضرع إلى الله أن يمُنّ عليهم بالصبر إلى حين النظر في الطلبات، أولاً بأول، وحسب الترتيب والأهمية.

وحتى نكون منصفين، فإن بعضاً من المعجزات قابل للتحقق أكثر من غيرها. فعشاق كرة القدم في ليبيا، يتمنون أن يشاهدوا منتخبنا الوطني لكرة القدم يلعب في دورة كأس العالم المقبلة. الأمنية المذكورة ليست قابلة للتحقق في الدورة المقبلة، ولا التي تليها، ولا التي تليهما، إلا بحدوث معجزة. لكنها في المستقبل البعيد قد تتحقق ومن دون حاجة إلى معجزة.

وما ينطبق على ليبيا، يطال غيره من أحوال عالمنا المكتظ جداً بالأزمات وبالكوارث، خاصة التي يسببها الإنسان. وهذا يفضي بنا إلى حقيقة صعبة الهضم، وهي أن المعجزات قد ولى عهدها وانقضى، إلا أنها، استثنائياً، قد تحدث، ولكنها تتطلب الصبر والانتظار.

ونظراً لافتقار الناس للصبر وللوقت، وإلى حين حدوث المعجزة أو المعجزات المطلوبة، ليس أمامهم من حلول أخرى، سوى التفكير في محاولة إيجاد حلول لمشاكلهم وأزماتهم. ولمن لا يرغب في ذلك، ويصر على انتظار حدوث معجزة، نتمنى له أن يجد وقتاً وصبراً ويحاول، خلال فترة انتظاره على الأقل، إقناع حكومة الوحدة الوطنية إصدار بيان قصير يوضح الأسباب والدوافع وراء اجتماع وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين سرّياً في روما، بما يتعارض والقوانين الليبية سارية المفعول.