Atwasat

مصر التي في خاطري

أحمد الفيتوري الثلاثاء 15 أغسطس 2023, 10:37 صباحا
أحمد الفيتوري

مصر القديمة هبة النيل حسب الجغرافي «جمال حمدان»، لكن مصر تلك والنيل معًا هبة الجغرافيا، التي جعلت مصر الحديثة هبة «قناة السويس»، ما دشنها جدل الغزوة الخاطفة للاستراتيجي «نابليون»، فاستيلاء صنوه «محمد على» على السلطة في مصر... هذا ما جال في خاطري، عند تذكر زيارتي الأولى لمصر، في مراهقتي، ما أصابها وجل، من أن الذي شرب ماء النيل عائد إليها، اللازمة التي يحب مصريون ترديدها، باعتبارها الشفرة السحرية لجاذبية مصر، ما قرنها الأوروبيون بلعنة الفراعنة.

فعلًا عدت عاجلًا إلى مصر التي أعرف، حتى إني حينها أخذت أستعرض تلك المعرفة، على أقراني من مثقفين مصريين ومن غيرهم. لقد كان أس سيرتي المصرية متينًا، حجر أساسه المدرسة، فالشارع الذي منه كانت السينما، مجلات الأطفال، رجال مصر من أبناء الصعيد من هم عمال مصر، وبعد «المركز الثقافي المصري» في بنغازي. دخلت بر مصر وليس مني الكثير، لم أمكث في الإسكندرية ثغر مصر ومدينة المتوسط، التي سُلبت إرادتها وقوتها وتاريخها من قبل «رجال يوليو»، من المركزية المركزة صنعتهم!. ذهبت عن الإسكندرية المدينة الأطلال، ما تتمظهر كما صنو مدينتي بنغازي.

كان من الفنانين المصريين، من يعملون في بنغازي، الممثل المخضرم «محمد توفيق» و«عمر الحريري» و «سيد راضي»، لحظتها كنت نشطًا في فرقتي «المسرح الحديث»، فربطتني علاقة بأولئك وغيرهم، لكن العروة الوثقى مع «سيد راضي»، الأكثر شعبية وشبابية، من عقل بنغازي وعقلته. ومن خلال هكذا جسر، تمكنت من اجتياز بحر النيل، في العاصمة العربية الكبرى المثقلة بأحمال، تجاوزت قدراتها بما لا يحتمل. فيما بعد، بعد تعرفت في «بغداد» على الراحل الصديق الشاعر «محمد عفيفي مطر»، سيؤول الشعر لي أشياء من دلالة القاهرة. دهمت سيارة «لوري» تلميذ وصهر «عفيفي»، الشاعر «علي قنديل»، فقتلته لكن بعد أن كتب وصيته:

نهر النيل:
صلصلة قيودي تجرني،
في الصباح:
أتوبيس 124،
كلية الطب ـ دخان الغليون في
الكافيتريا ـ بعض المثقفين.
وتتضخم دائرة / زنبقة وحشية
ياالله! زنبقة وحشية.
* النيل – حوار:
ساجد
من بدءِ أول وردة قامت وصمتك ضفتان
عطش السنين صفاؤك السطحي؟ أم بدأ الحوار؟!
رأيت أدركت، اختبأت مقلدًا حزن اليمام موحدًا.
ساجد
من بدءِ أول وردة قامت وصمتك موتتان
أرق السنين نسيمك المطوي أم شوك الديار؟
سبحت في الزمن استبحت تمثل الموت، انقطعت
عن الكلام مسهدًا
إني وحيدٌ مثل وحدتك الطويلة..
شدني لخلودك المعقود
ساجد
من بدء أول وردة قامت وصمتك طعنتان
لا شمس،
لا كبريت،
لا تبغي الحوار
رأيت يا ما قد رأيت ولم تحركك المنى
لم تغرك الأشعار
لم تضطرب للريح،
لم تصعد لأعلى
(آه من لحن الفرار:
صار منفاي الوطن
وطني صار الفرار)
يقترب
دخان يقترب
ساعة على عكس إيقاعات القلب تدق
لكنني أرى:
أرى يومًا ـ ربما قريب كأصابع اليد ـ يأتي
يقف العالم معصوفًا، ويثبت كل ذي حال
على حاله:
اليد القاتلة يشهد عليها دم القتيل،
والكتاب الخائن تنحل عنه أحرفه
والماء المغتصب ينتفض،
الذبائح تستيقظ والخوف يصير التيار الجارف
النهر الذي سكت ينطق، ومن تكلم يسمع
يومًا ـ ربما قريب كدم محتقن.
اقترب يا دخان،
ويا عربات ازحفي
وانطرق يا حديد على قبرة القلب.
لا القاهرة تبقى قاهرة
ولا الدلتا دلتا
ولا الشاعر مسجونًا في لسانه.
ساعة تدق
«الوقت متأخر»
والسماء تترك الغرفة للأجنحة السوداء ينثرها
طائر الرعب الأليف،
آه شريط القطارات،
يخرجون للشوارع نزفًا من جرح أبله،
يسابقون الضوء الخائب
ويقومون من سقطة إلى أخرى كالديدان المشرقة
ما أبهج المرارة!!
نام المقطم فوق جفني
وظل قفص الصدر يحبسني
غيبًا وعصفورًا خريفيًّا
اقذف حصان النار يرفسني
أو صبني في النهر محلولًا هلاميًّا.