Atwasat

الذكاء الاصطناعي في وزارة التعليم العالي

عمر الكدي الإثنين 26 يونيو 2023, 09:23 مساء
عمر الكدي

ألقى الإعلامي المتميز والشجاع والمهني خليل الحاسي، حجراً في المستنقع الآسن، فارتفعت الروائح الكريهة واكتشفنا حجم الفساد البشع، واضطر مكتب النائب العام لفتح التحقيق مع المتورطين في هذه القضايا، كما أصدر رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة قراراً بتشكيل لجنة تحقيق، ليست مكلفة بالتحقيق في كل القضايا التي أثارها الحاسي، وإنما فقط في ملف الموفدين للدراسة في الخارج، بينما كان الملف الذي فتحه الحاسي بالدليل والوثقية يشمل قضايا أخطر تطال الصديق الكبير، ويبدو أن الشركاء في هذا الملف قرروا التضحية بـ «الكركوبة»، وهو اللقب المحبب الذي أطلقه الدبيبة على وزير التعليم العالي عمران القيب، وفي تقديري فإن عمران القيب هو أشبه بقمة جبل الجليد العائم، فمعظم حجم الجبل لا يزال مختفياً تحت المياه العميقة، بالرغم من أن قمة جبل الجليد كشفت تورط حتى الأجهزة الرقابية في الفساد.

عندما عين خالد شكشك في منصب رئيس الرقابة الإدارية تفاءلت خيراً، فلقبه يعني الشك مرتين وعلى طريقة كيجيتو ديكارت، «أنا أشك إذن أنا أراقب إذن أنا موجود»، ولكن، للأسف، خيب ظني. فابنه الذي تحصل على تقدير منخفض أُوفد للدراسة في تركيا، على حساب المتفوقين الذين تحصلوا على أعلى التقديرات، الذين قال لهم القيب: «وخيرها جامعاتنا وهل ستجدون قاعة أفضل من هذه القاعة»، وقبل أيام من هذه الواقعة صرح بأنه لابد من نصب المشانق في الجامعات، مثلما كانت تنصب كل يوم 7 أبريل لإجبار أعضاء هيئة التدريس على الالتحاق بأعمالهم.

في الحقيقة، فكرت في الأمر طويلاً وقدرت أن وراء قوائم التعليم العالي حكمة ما، واكتشفت أن البلدان العربية يحكمها طلبة تحصلوا على أدنى الدرجات، القذافي مثلا تحصل على تقدير مقبول في الثانوية العامة، فلم يجد أمامه إلا الكلية العسكرية، وبعد أول ترقية نجح في قيادة انقلاب عسكري وحكم البلد 42 سنة، وبعده وجد كل الذين تحصلوا على تقدير ممتاز وجيد جداً يهتفون له حتى بحت حناجرهم، ويتزاحمون على قوائم «الرفاق»، ومن كانت علاقته ودية مع القذافي عندما كان طالباً ضعيفاً يجلس في آخر الصف، أصبح وزيراً أو مسئولاً في أي إدارة تضع صورة قائد الانقلاب في كل مكاتبها، وهنا رأيت بُعد النظر للكركوبة، حتى أنني شككت من فعل شكشك بأنه اكتسب الذكاء الاصطناعي من الجيل الثالث، الذي يختصر بـ «جي بي تي»، وهو قريب من لقب الوزير «قي بي تي»، أو (كر كو با) أو (شك شك)، وبالتالي فإن إيفاد المتحصلين على تقدير مقبول في الجامعات الأجنبية، سيمكننا من ضمان حكّام يحملون شهادات معتمدة عالمياً، ويتقنون لغات أجنبية واحتكوا بأوساط أكاديمية رفيعة، واطّلعوا على حياة ديمقراطية حقيقية، وشاهدوا مؤسسات دستورية تعمل بفعالية، وعندما يعودون إلى الوطن ويصلون إلى السلطة سيوطنون هذه المفاهيم، أما الذين تحصلوا على أعلى التقديرات فهم عادة لا يجيدون الحكم، ولا يتمتعون بالذكاء الاجتماعي ولا الصناعي.

كنت أتوقع أن يصدر (الدبي بة) قراراً بإيقاف وزير التعليم أولا ثم يشكل لجنة للتحقيق معه، ولكنه عندما شكّل اللجنة كان من بين أعضائها شخص أوفد ابنه للدراسة بالخارج على حساب المتفوقين، وبالرغم من شجاعة خالد شكشك وظهوره على قناة الوسط في برنامج «فلوسنا»، إلا أن الإجراء المناسب هو أن يقدم استقالته وينتظر نتائج تحقيق مكتب النائب العام، وسيُؤخذ بعين الاعتبار التهديد الذي تتعرض له عائلته، ومع ذلك يمكن حل هذه الإشكالات بتدابير بسيطة لا تحتاج إلى ذكاء صناعي، مثلاً تقسم الرقابة الإدارية إلى قسمين: قسم يراقب المنطقة الغربية وقسم يراقب المنطقة الشرقية والجنوبية. عائلات العاملين في المنطقة الغربية ينقلون إلى المنطقة الشرقية، وعائلات العاملين في المنطقة الشرقية ينقلون إلى المنطقة الغربية، وفي عطلة نهاية الأسبوع يمكنهم السفر بالطائرات لرؤية عائلاتهم على حساب خزينة الدولة، وستكون التكاليف أرخص من إرسال هذه العائلات إلى ما وراء البحار.

على أي حال، ليس هذا ما أراده خليل الحاسي، فعمران القيب سمكة صغيرة مقارنة بأسماك القرش الكبيرة، التي لا تزال تسبح في المصرف المركزي، ويزاولون أعمالهم المشبوهة من مكاتب تطل على السوق السوداء. أيها النائب العام عليك بالصديق الكبير، الذي لم يترك شيئاً إلا وظّفه لصالح أطماعه من البيض إلى حفاظات الأطفال، ولا أستبعد أن الخمسين صينياً، الذين قُبض عليهم في زليتن، على علاقة بالصديق الكبير، فهو متخصص في جميع العملات سواء كانت مشفرة أو غير مشفرة. عملة صعبة أو سهلة، وما سرّ إصراره على تحويل الفائض من الدولار لاستثماره في بلدان تعاني من صعوبات اقتصادية، وانهارت عملاتها الوطنية حتى أنها لم تعد تصلح لدفع البقشيش.