"عابرون في كلام عابر"*
محمود درويش

ماذا فعلت بنا يا محمد صلاح؟! لقد أصبت مشاعرنا بالاضطراب وأدخلتها في فوضى عارمة. فلقد أحزنتنا وأوجعتنا وأخجلتنا من أنفسنا، وأيقظت كرامتنا وأثرت اعتزازنا وجعلت قاماتنا تستقيم ورؤوسنا تشمخ. كل ذلك في نفس اللحظة.
لو كنت استشرتنا وشاورتنا قبل أن تجترح ما عزمت على اجتراحه، لكنا اعترضنا على عزمك وعزيمتك وحاولنا ثنيك على إتيان فعلتك.

لقال لك بعضنا: هذه مهمة الجيوش، وليست مهمتك. وربما رددت: الجيوش؟؟!!... ولقال لك بعضنا: هذه قضية منوطة بأولياء الأمر (مؤكد أنك هنا لن تعلق). وربما وصل الاعتراض بالبعض (ولهم مبرراتهم المنطلقة من حسن النية) إلى حد التبليغ عنك لدى الجهات المعنية.

ربما كان جديرا بك وأنت في بداية عشرينياتك (في ريعان شبابك) وتمتلك هذه الوسامة الطاغية، أن تلتفت إلى النهل مما هو متاح من متع الحياة، وتسعى إلى تأمين مستقبلك في حيازة بيت وتكوين أسرة وتأمين عيش كريم لائق.
لكنك، لمعرفتك بردود فعلنا، اخترت ما اخترت وعزمت على ما عزمت عليه، دون أن تستشيرنا أو تشاورنا، واجترحت مأثرتك المذهلة مستعينا، فقط، ببندقية تقليدية وأداة قطع أسلاك.

كنت مدركا وأنت تتوغل في أرض سيطرة العدو أنك لن تعود حيا. لست أدري إن كنت تفترض أننا سنخلد ذكرك أم لا. أعتقد أنك اهتممت، فقط، بالحسابات العملية الخاصة بما انتويته وعزمت على فعله.

ببندقية تقليدية وأداة قطع أسلاك، أربكت دولة الكيان الصهيوني العنصرية من رأسها حتى أخمص قدميها، ونبهتها إلى أنه لا أمن ولا أمان لغازٍ ولا مستقبل لها بيننا. فهي ضد المنطق والتاريخ والإنسانية.

يقول محمود درويش:
"عابرون في كلام عابر"يبدو أنك آمنت بذلك في تلافيف النخاع وخلايا الدم.

لكن واضح أنك كنت تخالفه في قوله:
" منكم السيف - ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا"

وكأنك كنت، بمأثرتك الفذة هذه، تقول:
منكم الصلف- ومنا الإباء. منكم الأوهام- ومنا تخييبها. منكم العنصرية- ومنا كرامة الإنسان- منكم العدوان- ومنا المقاومة. منكم الاستعمار- ومنا الكفاح...
منا البقاء- ومنكم الرحيل.

* للاطلاع على قصيدة محمود درويش "عابرون في كلام عابر" يمكن الرجوع إلى الرابط التالي:
https://poetsgate.com/poem.php?pm=723