Atwasat

أفلا يتذكرون؟

جمعة بوكليب الأربعاء 01 مارس 2023, 02:30 مساء
جمعة بوكليب


الذكرى الثانية عشرة لانتفاضة فبراير 2011 في ليبيا، تميزت عن سابقاتها بحدثين. أولهما أن الاحتفالات اقتصرت على المنطقة الغربية من البلاد فقط. ولا تفسير لديَّ لعدم احتفال المنطقتين الشرقية والجنوبية. لكن الأمر مثير للتساؤل، خاصة إذا علمنا أن شرارة الانتفاضة اشتعلت أولاً في المنطقة الشرقية، ومنها انتشرت في كل البلاد.

وثانيها إطلاق سراح السيد عبد الله منصور، بعد قضائه اثنى عشر عاماً في السجن. ولمن لا يعلم فإن المفرج عنه، عسكري برتبة لواء، وتجمعه قرابة دم مع العقيد معمر القذافي، وكان من رجال خيمته، وشاعراً غنائياً مشهوراً، ورئيساً للإذاعات الليبية. وبعد سقوط النظام فر هارباً إلى النيجر، وقامت السلطات النيجرية بتسليمه للسلطات الليبية، التي بدورها أحالته إلى القضاء، وحكم القضاة ببراءته من التهم المنسوبة إليه.

إلا أن السلطات في طرابلس لم تطلق سراحه. وبجهود من رئيس حكومة الوحدة الوطنية والمدعي العام العسكري، جرى الإفراج عنه أخيراً، وترحيله على طائرة خاصة إلى النيجر، بناء على طلبه.

حدث الإفراج عن السيد منصور، استحوذ على اهتمام الليبيين في مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض. وأثار ردود أفعال كثيرة.

البداية تستدعي التذكير بأن المحاكم، على اختلاف أشكالها، وُجدتْ منذ بدء المسيرة البشرية، كجهة محايدة، لحل الخصومات سلمياً، سواء وفق الأعراف والتقاليد، أو وفق الشرائع السماوية، أو وفق القوانين الوضعية، لإحقاق الحقوق ورد المظالم، وبهدف ضمان التعايش السلمي بين أفراد المجتمع.

ورغم أنني لا أعرف السيد منصور، ولم ألتق به في كل حياتي؛ فإنني أسجل هنا امتناني بقيام السلطات في طرابلس بتنفيذ حكم القضاء، والإفراج عن مواطن ليبي، حكم قضاة ليبيون ببراءته، في جلسات قضائية مكتملة الإجراءات، وفقاً للقوانين الليبية السارية. ولا أعرف شخصياً الأسباب التي حالت بين تأخير الإفراج عن السيد منصور طوال السنوات الماضية، ولا عذر في ذلك، مهما تعددت التبريرات.

وأتمنى على السلطات القانونية في حكومة الوحدة الوطنية أن تسارع بالإفراج عن كل المعتقلين في سجونها، ممن صدرت بحقهم أحكام قضائية بالبراءة، أو ظلوا في السجون وحُرموا من حق المثول أمام المحاكم لتقرير مصائرهم بإنزال العقوبات بهم إن ثبتت إدانتهم، أو بالإفراج عنهم إن ثبتت براءتهم.

عقب حدث الإفراج عن السيد منصور، قام محامٍ وسياسي ليبي معروف، كان من سجناء الرأي، وقضى سنوات في السجون، هو د. جمعة عتيقة، بنشر إدراج، على مواقع التواصل الاجتماعي، ذكر فيه أن السيد عبد الله منصور كان من المشاركين في جريمة مذبحة سجن أبوسليم. د. عتيقة كان من شهود قلائل على تلك المذبحة، لوجوده وقت حدوثها في سجن أبوسليم.

يبقى من المهم التذكير بأن كثيرين من الكتَّاب والصحفيين والمثقفين الليبيين دعوا، خلال السنوات الماضية، إلى تنفيذ حكم القضاء وإطلاق سراح المعني وغيره من المعتقلين في السجون، من دون وجه حق. ونظموا وقادوا حملات في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تطالب بالإفراج عنه وغيره.

وأنا أحييهم على وقوفهم إلى جانب تنفيذ العدالة واحترام القانون، وأسجل امتناني لجهودهم. ويبقى من المفيد التذكير كذلك، بأن أغلبية أؤلئك الكتَّاب والصحفيين والمثقفين كانوا، ولا يزالون إلى يومنا هذا، من أنصار النظام السابق، ومن المعادين علناً لانتفاضة فبراير العام 2011. وأنهم، وهذا للتاريخ، كانوا على دراية ومعرفة بكل الممارسات اللاقانونية واللاأخلاقية التي كان يمارسها النظام العسكري السابق.

وأنهم كانوا على دراية ومعرفة كذلك بما كان يدور في السجون الليبية من ممارسات تتنافى وأدنى شروط متطلبات المعاملة الإنسانية. وأن أحكام القضاء في المحاكم لم تكن تحظى بأدنى اهتمام.

وأن قسماً خاصاً في السجن المركزي، ومن بعده في سجن أبوسليم، بطرابلس، عُرف باسم قسم المحكمومين بالبراءة!! وهذه سابقة لم تسجل في أي بلد آخر حسب علمي.

وأن المئات من المواطنين الليبيين آنذاك أنهوا عقوبات بأحكام سجنية، أصدرتها ضدهم محاكم قانونية أو ثورية، ومع ذلك، لم يفرج عنهم، بل ظلوا قابعين في السجن لسنوات طويلة.

وأن شعراء وكتاباً ومثقفين كانوا من ضمن المسجونين، وبتهم ملفقة. ورغم ذلك كله، لم نسمع من أولئك الكتَّاب والصحفيين والمثقفين صوتاً واحداً منهم ارتفع مندداً وشاجباً ما يحدث من ممارسات، ويطالب، ولو مرة واحدة، بالإفراج عن أولئك المظلومين. بل كانوا حريصين على إظهار الولاء لرئيس النظام، ودائبين على تسويد المبايعات في كل مناسبة، ونشر مقالات التمجيد وقصائد المديح.

وسؤالي: ألم يكن الظلم وغياب العدالة وانتهاك القانون من أهم سمات النظام العسكري السابق، فلماذا خرست آنذاك أصواتهم، وأصيبوا بالبكم؟ ولماذا لم يطالبوا بتنفيذ أحكام القضاء، وبالإفراج عن المحكومين بالبراءة، وعن زملائهم ومعارفهم وأصحابهم من الصحفيين، والشعراء والكتاب والمثقفين؟ أم يظنون أننا بلا ذاكرة؟

يكفي انتفاضة فبراير فخراً أنها لم تخرسهم، أو تضعهم في السجون، أو تطاردهم بفرق اغتيالات في بلدان المنافي. ويكفيها شرفاً أنها أعادت إليهم ألسنتهم المفقودة، وضمائرهم الموؤدة، وجعلتهم يصرخون عالياً وبحرية، مطالبين بتحقيق عدالة حرموا غيرهم منها طيلة أربعين عاماً.