Atwasat

المتلونون.. دكان يحمل نفس البضاعة

سالم الكبتي الأربعاء 22 فبراير 2023, 01:03 مساء
سالم الكبتي

(هم العدو فاحذرهم) قرآن كريم

طلع النهار. أشرقت الشمس. وطار البوم. ثم مر عيد فبراير مع الريح والصقيع وذهب كالعادة.لا جديد فيه. نفس الوجوه. نفس الكلمات. نفس الأغاني. نفس المهرجانات ذات الأضواء الملونة. نفس الصفقات. نفس الحزن الذي يفعم صدور القابعين خلف الأسوار الذين حدث فبراير من أجلهم ووجدوا أنفسهم بعيداً.. بعيداً في طاحونة الأسى العميق.

طلع النهار ثم يأتي الليل من جديد. وكل عام يتكرر نفس المشهد وتتردد العبارات والهتافات ورفع الرايات المختلفة وتظهر على الشاشات نفس الوجوه والتعليقات والتحليلات. والأصوات تتعدد. تصرخ. تختلف ولا تتفق على شيء. تلعن الحظ وتغضب ويكثر الشامتون في القابعين عن بعد.

ويأتي الليل على الدوام ولم يحقق فبراير أي تقدم على المستوى الذي يطمح إليه المواطن صوب التغيير الحقيقي والميلاد الحقيقي. هذا المواطن الذي حلم بالكثير ولم يتحقق القليل منه. هذا المواطن الذي لم يصله فبراير حتى الآن رغم الأضواء والبذل الأنيقة وكلمات النفاق والمدح الرخيص فوق المنصات وعبر الشاشات وصفحات التواصل. هذا المواطن الذي وصلته الخيبة مما جرى ولم تصله نشوة النصر بأنه استعاد وجوده وإنسانيته وحريته.

هذا المواطن الذي يظل في الليل بلا نهار. وفي النهار بلا شمس. تتمدد معه الخيبات والانكسارات وتتوالى لتمزقه قطعة قطعة. فمن أين يأتي النهار والليل طويل بلا نهار؟!

ومع ذلك. في فبراير من كل عام اعتاد هذا المواطن الخطب والوعود والتصفيق والعهود الكاذبة. أصابه الملل وانصرف عن فبراير الذي لم يأت له بجديد. حلم وانكسر الحلم على الشط وأضحى المواطن بلا مجاديف.

ومع ذلك أيضاً ظل المواطن يحس بالعار تجاه من يتصدر الساحة. من يمسك بالراية. يلتفت هنا ثم يلتفت هناك. يتقدم ويتوقف ويلاحظ ويرى. يشعر بأغلال ما زالت تقيده. يشاهد نفس الوجوه القديمة تتجدد وتتقدم. فأين ذهبت التضحيات وأين راح الشهداء ودمهم الذي ضاع هباء منثوراً؟ يتساءل ولا يجد جواباً. كيف ضاع فبراير. كيف شوه وجه فبراير. كيف تبدل فبراير. كيف استمر الليل بعد شمس طلعت وطار فيها البوم؟

دخل المتلونون بقوة. بدلوا جلودهم. مارسوا نفاقهم. أضروا بفبراير. دخل الوطن بسببهم في متاهات يظل من الصعب الخروج منها بهذا الشكل الذي يجري. المتلونون آفة كل تغيير. مصيبة كل ثورة. وباء كل انطلاق. إنهم طاعون الثورات والتغيير. يقتلونها بالنفاق والتلون.

يصبحون سادة الموقف. هم أعداء الوطن والمواطن. هم بضاعة كل دكان.. لكنها كاسدة ومتعفنة ومنتهية الصلاحية. هم المشكلة وليس الحل. هم من يتقدم الصفوف ويفوزون بالغنيمة ويملئون صدور البسطاء الحالمين بالقهر والغيظ. هم نفايات المراحيض وقذارات الأوساخ القذرة. هم المتلونون مع كل وقت. مع كل عصر. مع كل تيس. لكن هذا وقتهم. فليكن الأمر كذلك.

يتصدر هؤلاء كل مشهد. كل فرصة. كل وسيلة. كل وقت. صرنا نراهم. ونسمعهم. ونسمع ضجيجهم وفلسفتهم وادعاءاتهم. كانوا بشكل. والآن بشكل مغاير. صحيح أن النظام السابق قمع الكثير وسجن وأعدم وأبعد وأقصى وصنف. صحيح أن فئات كثيرة تضررت ونالها العسف ولكنها احتفظت بمواقفها وصانت كرامتها. وظلت تستحق التبجيل.

وبالمقابل صحيح آخر يواجهنا بأن هناك فئة من النظام نفسه بغت وتسلطت وفعلت الكثير وتختلف عن غيرها من عناصره الذين كانوا أخف وطأة. تلك الفئة التي تمارس نفس الدور الآن وبنفس العقلية وكأنها فرحت بغياب رأس النظام. وكأن الجو خلا لها.

لا رقيب ولا عتيد. تعيد لعبة الجلاد والضحية وتريد أن تقنع التاريخ بأنها ناعمة الملمس ولكن عند التقلب في أنيابها العطب. فئات ضج بها المشهد واختلط وحم القضاء وصم. وفئة تلونت هي الأخرى كانت مستفيدة تتفيأ الظلال وتمص العسل وهرولت وهروكت في كل اتجاه وطلعت مع فبراير تشير بأنها كانت تواجه الظلم وتقارع الطغيان ولا ترضى بالطغاة وتمارس الأكاذيب بلا خجل.

فئات كثيرة كونت فبراير للأسف وأبعدت البسطاء الذين حلموا بخطوط مستقيمة من العدالة تظلل الوطن. فئات تشكل المتلونين بامتياز.

إن آفة فبراير هي نخب المتلونين المنافقين عاهة كل زمن. قذارة كل وقت رغم محاولتهم تنظيف تاريخهم وأنفسهم. سيظلون علامة مستمرة لزيف البضاعة في نفس الدكان المظلم الرطب.

ويذهب النهار ليأتي الليل موحشاً ويسقط في قلوب البسطاء المنكسرين المهزومين أبدا ويسمعون بأذنيهم عن مشروع المصالحة الوطنية. ويردد.. مصالحة ما مصالحة كيف يستقيم الظل والعود أعوج. كيف يقنع هؤلاء المتلونون غيرهم بهذا المشروع الفاشل. وتتردد في الهواء عبارة حتحات على مافات. يكررونها ويلوكونها دون معرفة بظروفها.

تاريخان يختلفان. مشهدان متغيران. مرجعيتان لا تلتقيان. حتحات على ما فات كلمة تدعو للرثاء الآن. إنها لا تنطبق على ما يحدث. ما فائدة المصالحة والحقوق لم تستوف. ما فائدة المصالحة دون المصارحة والاعتراف بالذنوب واستيفاء تلك الحقوق. إنها كتلة سوداء من المظالم والمكاره ربما لم تلحق بأصحاب الدعوة للمصالحة. لم تكتوِ أياديهم الرخوة الملساء بنيران الصهد.

من يرد الحقوق للحيارى الذين فقدوا أعز أحبابهم وفقدوا أملاكهم وضاع مستقبلهم وشردت أسرهم في الحروب والتصفيات والقهر. من يصالح من. من يعفو على من. من يلتقي مع من. ثم إن الحديث المشروخ عن المصالحة ساقط القيد بهذا الشكل فأغلب العتاة والمجرمين موجودون في الأصل على أرض الواقع دون مصالحة ولا يأبهون بها.

لا تهمهم ولا تحرك فيهم ساكناً. والحقوق ضائعة. من يتصالح مع من. حتحات على ما فات عبارة تمتلئ حكمة وشجاعة لا تتفق ومقاييس هذا الوقت (غير المتصالح) في هذه الفترة وما قبلها بسنوات طويلة التي ما زالت في العموم تلعن صاحب هذه العبارة ولا تعترف بتاريخه وتسيء إليه وتطعن فيه. ولا تعترف بدولته. كيف يتحقق التصالح والتلاقي بين خطين متعامدين متعاندين لا يلتقيان أبداً.

ويأتي الليل. دائماً يأتي الليل ويعقر الحزن الصدور. ويظهر المتلونون والمنافقون ويفرون إلى حائط المصالحة. آخر ورقة لديهم. فرق بعيد بين الرجال. بين حتحات على ما فات. وبين المهازل وتغطية عين الضوء بالغرابيل المثقوبة. بين الصدق وبين النفاق. بين التلون وبين المواقف الثابتة.

ثم يأتي فبراير على الدوام ويذهب. ويظل يلاحقه الفشل في وجود هؤلاء المتلونين على كل المستويات وخلف كل الكواليس. وسيظل ما يسمى بالمصالحة بهذا الشكل مجرد مشروع في السراب مثل مشروع ليبيا الغد الذي مضى. المصالحة تتحقق بإزاحة هؤلاء ومن معهم ومن يلوذون بهم وبكل العتاة والمجرمين والمنافقين الذين اقتحموا فبراير وأصابوها بالمذلة والمهانة.

وجعلهم يرتاحون فوق المقاعد بعيداً عن الملعب فقد لعبوا كثيراً.. وتكرار اللعب سيكون مصيبة مستمرة لفبراير والوطن معاً. من العار أن تظل البضاعة الراكدة تعلن عن نفسها في نفس الدكان أيها السادة!!