Atwasat

جَرة البرلمان الليبي

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 17 يوليو 2022, 10:59 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

يخترع الإنسان الأدوات لإنجاز وظائف عملية، تلبي حاجاته، وهذا يعني أن هذه الأدوات لابد أن تكون كاملة ومتكاملة. ونعني بكونها كاملة تجسدَ شكلِها أو هيئتِها الحسية، ونعني بكونها متكاملة أداءها وظيفتها المهيئة لها. وهنا لابد من أن يكون ثمة توافق بين الشكل (= الكمال) والوظيفة (= الاكتمال)، التي هي (الوظيفة) بمثابة المضمون. وبمصطلحات أرسطو تضافر علتين: العلة الصورية والعلة الغائية.

فإذا وقعت جرة فخارية، مثلا، وانقسمت إلى قطعنين، انهار الشكل (= الصورة أو الهيئة) وتعطلت الوظيفة (= تلاشى المضمون وامتنع الإيفاء بالغاية). وحتى لو كانت إحدى القطعتين أكبر بكثير من شقيقتها، فإنها ستكون مجرد قطعة جرة لا يمكنها تمثيل الجرة شكلا ولا مضمونا، أي لا من حيث الصورة ولا من حيث الغاية.

قد يُسند إلى القطعتن القيام بوظائف أخرى، لكن لن تكون لهذه الوظائف المسندة إليها من حيث هي قطعً جرة أية علاقة بالوظائف الأصلية المستهدفة من صناعتها في البداية.

هذا الحال ينطبق أيضا على المؤسسات الاجتماعية والسياسية في المجتمع والدولة. فالمؤسسات هي "أدوات" صممت لأداء وظائف محددة، عرفيا ودستوريا وقانونيا، أي انها تلبي حاجات اجتماعية.

صحيح أنها أقل "محسوسية" من الأدوات الاستعمالية العادية، لكنها تظل، مع ذلك، محتفظة بصفة الأداتية والاستعمالية، بما أن لها وجودا موضوعيا في الخارج ومنوطة بها وظائف صممت وبنيت بغاية أدائها.

في ليبيا ساد مصطلح "الأجسام السياسية" من مثل "المجلس الأعلى للدولة" و "المجلس الرئاسي" و "مجلس الدولة" و "مجلس النواب (= البرلمان)". بعض هذه الأجسام يعتبر "منتهيَ الصلاحية" الزمنية، ونقول "الزمنية" لأنه، عمليا، لم يكن صالحا بالنسبة إلى الغايات التي كانت وراء إنشائه.

لكن "مجلس النواب" ليس منتهي الصلاحية، فقط، وإنما لم يعد موجودا أصلا، لا شكلا ولا مضمونا. لا من حيث الصورة ولا من حيث الغاية. وذلك لأنه ينطبق عليه مثال الجرة التي انقسمت إلى قطعتين، الذي اتخذناه مدخلا إلى هذا المقال.

فمن حيث الشكل لم يعد يشتمل على العدد المحدد قانونا من الأعضاء، ومن حيث المضمون تكون اجتماعاته وقراراته، المتربة على هذه الاجتماعات، باطلة قانونا، لانتفاء توفرها على الأنصبة المطلوبة.

كما أن تحركات وتصريحات رئيس مجلس النواب، بصفته هذه، تعد انتحالا لصفة زالت بسبب انهيار البناء المؤسسي للمجلس الذي كان يرأسه.