Atwasat

تدخل (أطراف دولية)، وتدخل (الإرادة الدولية)

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 29 أغسطس 2021, 10:01 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

ظهرت القوانين المكتوبة مع تكون الدول (= السلطة السياسية)، وطبعا بعد ظهور الكتابة. سنت السلطات السياسية (= الحكام) القوانين لتنظيم العلاقات اليومية والعامة بين طبقات وشرائح وأفراد المجتمع، وواجبات والتزامات المحكومين إزاء السلطة الحاكمة، من مثل الضرائب. وأقدم منظومة قانونية متكاملة مكتوبة، معروفة، هي منظومة قوانين حامورابي (صدرت سنة 1790 ق. م)، التي مارست تأثيرا عميقا وواضحا على قوانين الحضارات اللاحقة بالمنطقة.

لا تنظم القوانين علاقة الرعية بالرعاة (= علاقة المحكومين بالحكام). فلا يوجد في القوانين، حتى هذه الأيام، ذكر لصلاحيات رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو مدة ولايته. فهذه الأمور اقتضت ميلاد فكرة الدستور، التي تطورت إلى ما نسميه الآن الدستور الديمقراطي الذي تم الفصل فيه بين ثلاث ركائز للدولة: ركيزة السلطة التشريعية.. ركيزة السلطة التنفيذية.. ركيزة السلطة القضائية، التي تتولى الفصل، بناء على مواد الدستور، في ما يمكن أن ينشب من خلاف بين السلطتين التشريعية (ممثلة في البرلمان المنتخب) والسلطة التنفيذية (ممثلة في السلطة المديرة للدولة، وفق صلاحيات وضوابط تحددها نصوص الدستور). المواطنون أيضا يمكنهم، أفرادا أو جماعات، اللجوء إلى القضاء برفع قضايا ضد الدولة إذا ما رأوا تعديا على حقوقهم التي كفلها لهم الدستور.

يمكن القول أنه في القوانين توجد واجبات المواطن، بينما في الدستور توجد حقوقه.

وتتمثل قيمة الدستور الديمقرطي في أن يكون موافقا عليه من قبل الشعب في استفتاء عام. بناء على هذه القيمة ينتقد* د. الهادي بوحمرة الحالات التي كانت فيها بعض الدساتير "نتاج اتفاق دولي، لا دور فيه للإرادة الوطنية، وأخرى كانت من عمل هيئات أقامها المجتمع الدولي، أو فرض عليها مبادئ توجيهية، وأصبحت تحكم شعوبا، لم يكن لها دورٌ في نشأتها".

ويقرر أن هذا يعني أن "الطريق غير الديمقراطي الذي يوصف بأنه من الماضي، قد تم بعثه بوجه آخر، فبدل حلول إرادة الحاكم محل إرادة الشعب، نحن أمام حلول للإرادة الدولية محل الإرادة الوطنية". ويضرب د. بوحمرة أمثلة على ذلك بدستور قبرص (1960) والبوسنة (1995) وأفغانستان (2001)، وأيضا بالدستور الليبي (1951).

لكن البعد المهم في الأمثلة التي أوردها د. بوحمرة (باستثناء حالة أفغانستان) هو أنه لم تكن ثمة "إرادة وطنية" مؤهلة لإنتاج دستور يرعى سيادة الوطن وحقوق المواطن. فالبنسبة إلى حالتي قبرص والبوسنة كان الوضع وضع حرب أهلية مدمرة تعني، بكل تأكيد، أن ثمة انقساما شعبيا حادا يتنافى مع وجود إرادة وطنية فاعلة. وهنا كان تدخل "الإرادة الدولية" أمرا مطلوبا وحيويا بفرض دستور يؤدي إلى الخروج من الأزمة ويمهد لحالة استقرار مجتمعي، ولو مؤقتا.

والأمر لا يختلف نوعيا بالنسبة إلى الحالة الليبية سنة 1951. فرغم أنه لم تكن توجد حرب أهلية، إلا أنه كان يوجد مستوى واضح من الانقسام يمكن، لو ترك وشأنه، أن يولِّد حربا أهلية.

وبالتالي حلَّ "التوجيه" الدولي للدستور الليبي مسألتين، المسألة الأولى أنه أنهى وضع الانتداب الذي كانت تحته ليبيا، والمسألة الثانية أنه حال دون تفاقم الانقسام وتحوله إلى حرب أهلية.

ويبدو أننا الآن في حاجة ماسة إلى تدخل "إرادة دولية" بشكل جاد وحيوي (يعاكس تدخل الأطراف الدولية الحالي) للإمساك بيدنا وقيادتنا إلى بر السلامة.

* انظر الهادي بوحمرة "فرض مسارات الدساتير ومضامينها". http://alwasat.ly/news/opinions/330606?author=1