Atwasat

فشل بكين الدائم

عبدالواحد حركات الإثنين 02 مارس 2020, 02:57 مساء
عبدالواحد حركات

الفشل الدبلوماسي يجر بكين من كارثة إلى أخرى، وقد جعلها كدب أعمى يقع في الفخاخ التي أمام عينه مراراً وتكراراً، وكعادة الدول التي أدمنت الديكتاتورية مازالت الصين تعاني من أنيميا حادة في دبلوماسيتها وسياساتها الخارجية، وتعيش تحت ضغط هواجس الحرب مع جيرانها، وتجند سياستها الخارجية لمهمة واحدة فقط، هي كيفية التعامل مع واشنطن وإدارة علاقاتها الحرجة والمحرجة معها والفرار من المواجهة، فبكين تعيش على الخوف من ظهور ترومان جديد في البيت الأبيض يحسم أمر المواجهة بأسلوب هيروشيمي.

التردد الذي يميز سياسة بكين تستثمره واشنطن لتفخيخ محيط الصين، فالتنافس بين واشنطن وبكين على قيادة العالم لم ولن يتوقف، والزخم الكبير والكثيف للسياسات الخارجية التي تتبعها واشنطن مع دول جنوب آسيا وزيادة نفوذها في مناطق محيط الصين، يشكل تهديدا مباشرا لبكين التي تفتقر بشدة إلى وجود شركاء أو حلفاء باستثناء روسيا التي لا يعول عليها كحليف، لضبابية سياساتها وتخوفها من الوصول لنقطة الكسر مع واشنطن، لذا تستمر خسائر بكين الدبلوماسية أمام ازدياد التأثير الاستراتيجي والدبلوماسي لواشنطن في آسيا بأسرها، وتأتي الظروف معاكسة لبكين لترمي أمام قدمي واشنطن أثمن الفرص التي لم يبتكرها سياسيو واشنطن بل جاءت بأيدي قدر رهيب، أراد تضييق الخناق على بكين وعزلها وإنهاك قواها الاقتصادية بواسطة فيروس ضئيل لم يُعرف منشأُه أو دواؤه.

إعطاء بكين الألوية الساحقة لعلاقاتها مع واشنطن وجعلها المهمة الوحيدة والدائمة لساستها، ساهم إلى حد كبير وبشكل مباشر وقوي على تخثير وإضعاف علاقات بكين مع جيرانها الآسيويين الألداء، وأدى إلى تراجعها وخفضها إلى الحد الأدنى، بل وجعل بكين في موقف المتفرج السلبي من الأحداث الدائرة في الجنوب الآسيوي، فقد ضعف نشاط بكين وتجمدت دبلوماسيتها تجاه اليابان وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا وتراجعت بسرعة وفي وقت واحد، وهذا مؤشر خطر يؤكد الفشل الواسع النطاق لدبلوماسية بكين.

سمة الفشل في القيادات الصينية أنها قيادات محورية ذات استراتيجيات ثابتة وضيقة، وأجندات السياسة الخارجية لبكين موجهة إلى قضايا الاقتصاد ونمط وآليات العلاقات مع واشنطن، وبرغم المواجهة طويلة الأمد بين بكين وواشنطن إلا أن الصينيين مصرون على اختلافهم واستخدامهم لسياسات اللين والضعف والسلبية والتقوقع، ولم يتعلم قادة بكين من نظرائهم في واشنطن الوعي بالمنافع والأولويات طويلة الأجل وتنويع وسائل العمل الدبلوماسي، وإبراز الاستراتيجيات الكبرى وليس تغليبها، وتغيير السياسات ومزجها بطريقة تسمح لهم باتخاذ ردود أفعال مناسبة أو نقل المواجهة بشكل حقيقي إلى حلبة الاقتصاد، فواشنطن لازالت تحتفظ بالمواجهة في حلبة السياسة وتطيل أمدها، وبرغم انخفاض القدرات الاقتصادية والمالية والعسكرية لواشنطن خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها استطاعت تعويض ذلك بل وزيادة تأثيراتها وتحقيق إنجازات سياسية كبرى في جنوب شرق آسيا تحديداً، وانتهاز الفرص لتثبيت أقدامها وتقليل قوة أعدائها ولعبت بشكل فريد على التغيرات السياسية والنفسية والاقتصادية الرئيسية في اليابان وكوريا الجنوبية وكذلك كوريا الشمالية، ولا يخفى على قادة بكين مدى فاعلية ونشاط السياسات الأمريكية في محيط الصين وبحرها.

فشل بكين أثر على السياسة الدولية ورفع مستوى التوترات في عدة مناطق، خصوصاً تلك الدول المصابة بالعمى الاستراتيجي التي ظنت أن لبكين أو موسكو القدرة على مواجهة واشنطن، فانغمست بجنون في عشق بكين وفتح أبوابها ونوافذها للاستثمارات الصينية وقطعت أو قصرت أيديها عن أوروبا وأمريكا، فلم تجد بدا من أن تتحول مرغمة إلى منطقة نزاع وتهطل عليها الأزمات ويحجب عنها الحسم الذي تنطق به واشنطن وتؤمن عليه أوروبا والدويلات الدائرة في فلك واشنطن.

فشل بكين لا يحتاج إلى ضاربة ودع أو قارئة فنجان أو حتى نبوءة "فانغا غوشتيروفا"، فدبلوماسيتها التقليدية التي مارستها أثناء ثورات الربيع العربي وامتناعها عن تأييد أو رفض أي قرار، وإجلاء جميع رعاياها في شمال إفريقيا، حيث أسرعت بكين بإجلاء رعاياها خلال 2011 في أكبر عملية ترحيل، إذ رحلت أكثر من 36000 من رعاياها في ليبيا، كانوا يعملون ضمن 75 شركة صينية، تشارك في إنجاز أكثر من 50 مشروعًا، تقدر القيمة الإجمالية لها بحوالي 18 مليار دولار أمريكي، معظمها في البنية التحتية ومجال النفط والسكك الحديدية والاتصالات، ولإتمام الترحيل بوقت قياسي قامت بكين باستئجار حوالي 100 حافلة من مصر وحوالي 30 حافلة من تونس، وتم النقل بواسطة طائرات وسفن مستأجرة من اليونان، ثم أرسلت بكين أربع طائرات "إليوشن 76" تابعة للقوات الجوية، بالإضافة إلى السفينة "شوتشو" وبعض السفن البحرية، وبعد الترحيل جلست قيادات بكين تحصي خسائرها الاستراتيجية والاقتصادية، وطفقت تبحث عن تعويض سريع لذلك.

لم يكن أمام بكين سوى ضخ المزيد من الاستثمارات في مصر التي وثقت علاقاتها الاقتصادية بها بشكل كبير، وسارعت إلى توسيع مجالات التعاون وتنشيط الاقتصاد الخاص بين الشركات الصينية وبين مصر، وقد تسبب هذا في المزيد من الركود والإرباك في الأسواق المصرية، بالإضافة إلى توقف أو تدهور بعض الصناعات التي نشط استيرادها من الصين، في حين خسرت بكين وبشكل شبه كلي فرص الاستثمار في ليبيا والجزائر وإفريقيا الوسطى والسعودية ودول الخليج بعدما ازداد تأثير السياسة على الاقتصاد، فبكين دائماً سيئة السلوك في حلبة الاقتصاد السياسي وأضعف من الاستمرار داخلها.