Atwasat

سريب عن سرنديب

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 30 يوليو 2014, 01:20 مساء
محمد عقيلة العمامي

قبل سنة 1963م لم أكن أعرف شيئا عن (سرنديب)، ولا عن الشاعر محمود سامي البارودي (1836-1904م). كنت حينها طالبا في السنة الثالثة الإعدادية. وكانت قصيدة (سرنديب) من قصائد المنهج المقررة. حينها عرفت أن الشاعر من رجال ثورة أحمد عرابي التي أفشلها الإنجليز في مصر سنة 1882م، وأنه نفي، مع عرابي إلى جزيرة أسمها سرنديب، وكتب لنا قصيدة ما زلت أحفظ منها أبياتا متفرقة تقول:

وما هي إلاّ غمرة ثم تنجلي ... غيابتها والله من شاء ناصر
ولولا أماني النفس في حياتها لما ... طار لي فوق البسيطة طائر
ومن لم يذق حلو الزمان ومره ... فما هو إلاّ طائش اللب نافر
فما الفقر إن لم يدنس العرض فاضح ... ولا المال إن لم يشرف المرء ساتر
فكم بطل فال الزمان شباته ... وكم سيد دارت عليه الدوائر

وظللت إلى عهد قريب لا أعرف حتى أين تقع سرنديب!! متصورا أنها بقعة بائسة جرداء تصعب الحياة فيها! ثم عرفت، فيما بعد، أن اسمها صار (سيرلانكا) ثم أصبح حديثا (سيلان). وتذكرت أن اسمها تردد في ستينيات القرن الماضي من ضمن الإعلانات السينمائية التي كنا نشاهدها في سينما (ركس) في بنغازي، قبيل الشريط الرئيسي، ولعل جيلي ما زال يذكر لاعبَيْ كرة القدم الشهيرين أحمد بن صويد (من النادي الأهلي) وديمس الصغير (نادي الهلال) وهما يقدمان دعاية حليب «نيدو» للناس أول مرة، فمن كان، آنذاك، يتصور أن هناك حليباً لذيذاً نحصل عليه من خلط المياه مع مسحوق أبيض! وما زلت أذكر أحمد بن صويد يقول لديمس عن الحليب: "لكن هذا غالي!!" وقد أخبرنا ديمس أنَّ هذه الفقرة أعيد تصويرها مرات ومرات بسبب تردد أحمد في نطق كلمة "هذا"، التي اعتدنا نطقها (هضا)! وسمعنا عن صابون (اللوكس) بألوانه الأربعة الزاهية، وباللون الأبيض! وبيف باف.. وسجائر الغرياني! ثم شاي سيلان!

ما لفتت انتباهي، وإنما ما يقال عن قمة ذلك الجبل المخروطي الذي تراه- كما يقولون- جنوبي الجزيرة من أي اتجاه، ويسمونها قمة آدم! وتحظى بتقديس ألف مليون نسمة وذلك بسبب شكل قدم مطبوعة فوق صخور قمة الجبل.

والتصقت بذهني معلومة تقرر أن سيلان هي مصدر الشاهي، والحقيقة أنني لم أزر سيلان هذه أبدا، إلى أن قرأت عنها مقالا فصرت وكأنني زرتها!! وعرفت أنها بعد الهند مباشرة في إنتاج وتزويد الشاي للعالم كله، وأن الشاهي، مع بعض الأحجار الكريمة، وأشجار القرفة من أهم مصادر دخل سرنديب، أعني سيلان! وأنها جزيرة جميلة للغاية مساحتها صغيرة، إذ يبلغ طولها 340 كيلومترا وعرضها 125 كيلومترا وتعداد سكانها مثل تعداد سكان مدينة نيويورك. وشعبها مغرم بالقمار، حتى أنه يقامر بأصابعه!! فحينما تعقد جلسات القمار يكون بجانب(الكارطه) مثلا سكين حاد ولوازم إيقاف نزيف الدم عندما يُقطع الأصبع موضوع الرهان!

ولكن ليست هذه الخارقة هي ما لفتت انتباهي، وإنما ما يقال عن قمة ذلك الجبل المخروطي الذي تراه- كما يقولون- جنوبي الجزيرة من أي اتجاه، ويسمونها قمة آدم! وتحظى بتقديس ألف مليون نسمة وذلك بسبب شكل قدم مطبوعة فوق صخور قمة الجبل. ويعتقد مسلمو الصين أن هذه القدم المطبوعة هي قدم سيدنا آدم عليه السلام، لأنه لما طرد مع حواء من الجنة أنزلا في سيلان، بينما أربعمائة مليون بوذي مقتنعون أنها قدم بوذا انطبعت هناك عند زيارته إلى سيلان، والهندوس، بدورهم، يرون أنها أثر من إلههم (سيفا)، والمسيحيون مقتنعون أنها أثر من قدم القديس توماس الشكال! وبذلك يصير أكثر من نصف سكان العالم يقدسون هذا الجبل، ويحجون إليه من أصقاع العالم! ومع ذلك كله، لا يذكر لنا التاريخ صراعا حوله! ولم يتقاتلوا على الاستحواذ عليه، بل تركوا الكل على ما يعتقد.

اللافت أيضا أن سيلان تتمتع بأعلى مستوى للحياة في آسيا كلها بعد اليابان، وأن نسبة التعليم 60% مقابل 20% في الهند!! والبلد خضراء جميلة طوال العام، تتنوع فيها الزهور المختلفة من الياسمين، واللوتس، والأوركيد والقرنفل.. فبدا لي أن نفي البارودي كان مكافأة، أكثر منه عقوبة!