Atwasat

الهندياني

سالم الكبتي الأربعاء 19 سبتمبر 2018, 10:01 صباحا
سالم الكبتي

كان هنا. مر من هنا. الغموض. الأسطورة. التناقضات. الخير والشر. التجربة والخطأ. المشكلة والحل.. التمرد والرفض. القلق والحراك الذى لايهدأ. لايترك أثرا، لكنه يترك صدى وقصة في كل الدوائر.

مفتاح محمد معيوف الفاخرى الشهير بالهنديانى. أسطورة المدينة وحكاياتها ذلك الزمن. في النوادي والمقاهي والحوانيت ودور السينما ومراكز البوليس وسجلات التحقيق. ذلك المولود فى نواحي المرج عام 1930. ثم عاش فى دروب المدينة. بنغازى. أسطورة فيها الغموض والتناقضات والعجائب وآلاف الحكايا.

التحق أولا بسلك البوليس في القوه المتحركه ثم تركها.. واختار الفدائية والاقتحام والمفاجأة. تأثر بأسلوب عيسى الوكواك.. الفدائي زمن الطليان الذي دوخهم ثم علقوه على المشنقة. الهنديانى يقدم ويتاخر. يخرج من السجن ليدخله ثانية. يقف مع الضعيف على حد راْيه. ثم يخطيء فى جانب آخر. يهرب من أبو زعبل. يدوخ البوليس المصري المشهور بكفاءته. يسهم فى حرب التحرير الجزائرية. يشارك بفاعلية. يقترب من قادة الثوار.. يصبح لديه شاأن واحترام. أحمد بوده وعبدالرحمن الشريف فى مكتب الجبهه فوق مقهى دمشق وبن بله.. والجهات الرسمية الليبية التى تساعد وتغض الطرف كلهم يعرفونه.

الهنديانى أسطورة بنغازى. ينقل الأسلحة. يجيد استخدامها. تردد التلال اسمه.. الهنديانى. الفاخري

الهنديانى أسطورة بنغازى. ينقل الأسلحة. يجيد استخدامها. تردد التلال اسمه.. الهنديانى. الفاخري. يتردد اسمه فى كل وقت ومتى وقعت واقعة. تفجرأنابيب الدبوسيه.. يتهم. يعتدى على شركات البترول فى المدينة وتضيع أموال من خزائنها.. يتهم. يحدث اعتداء على بيت مسؤول كبير.. يتهم. يدخل السجن ويخرج. يتجول في المدينة. يقيم عند قريبه فى سوق الحشيش. علاقاته واسعة بالجميع.

الوطنية وتناقضاتها. الأمل والألم. وتردد الشوارع كما التلال.. كما الصحراء اسمه. ويلهب خيال الصغار. يحدث انفجار كبير في آبار البترول صيف عام 1965.. تتلبسه التهمة مع زميليه الوداوي والمريمى. تثبت عليهم. المخابرات المصريه تحوم حولها الظنون ثم التوكيدات. أدوات التفجير. أتت من هناك واستلمتها أصابع محلية ظلت بعيدا عن التحقيقات والمساءلات. وتعرف السلطات وتتكتم حفظا على العلاقات مع الجيران. الشباب كان طيبا. يرى أن ذلك منتهى العمل الوطني. المحكمه تقرر إعدامهم. يعتمد مفتي الديار الحكم. الملك لايوافق.. يخفضه إلى المؤبد.. طالما أن العمل.. لم يلحقه ضحايا في البشر. الخسارة في الاقتصاد تعوض. لكن الإنسان.. لايعوض. هذا رأي الملك.

في السجن يقضون خمسة أعوام. يخرجون فى سبتمبر. بعد الانقلاب. والهنديانى يمنح رتبة ملازم. صار ضابطا. يلوح بغدارته خلف الزعيم فى أول خطاب له عند الضريح الذي هدم في أعوام تاليات. وانطلق من جديد.. لكن بانضباط. لكن بحذر. الوقت لم يعد وقتك ياهنديانى.. والتلال والصحراء ليست كما كانت. وعواء الذئاب اختلف!!

ويكلف بدوريات في تلك الصحراء.. يخرج مع أحد الجنود في مهمة استطلاع. يعرف الهندياني القفار جيدا. طالما قطع المدقات والدروب مشيا أو ركوبا. كل ميراد لامسته قدماه.. حافيا أو مرتديا حذاءه. تلك الصحراء يعرفها ولايعرف سواها بالدقة المتناهية. إنها عالمه.

خرج من بنغازى أواخر رمضان 1969 إلى درنه ومنها إلى جوف العظام وتوغل جنوبا

خرج من بنغازى أواخر رمضان 1969 إلى درنه ومنها إلى جوف العظام وتوغل جنوبا.. جنوبا فى عمق الصحراء ثم انحدر إلى مرسى البريقه غربا وواصل سيره إلى منطقة السدره. الشمال والبحر والبترول. وهناك انزلقت سيارة الجيب وأصيب بجروح ورضوض. لم يفلح الإسعاف ممن حضر. كان النزيف الداخلي كبيرا أدى إلى وفاته في مدينة طرابلس.. بينما نجا رفيقه الجندي.

في بنغازي أحضر جثمانه ودفن. كان ذلك يوم الأحد 21 ديسمبر 1969. ومع الحزن الذي طار في الهواء.. طويت صفحة في عجل.. ونهضت أسئلة وتفاصيل فى السر.. لم يمت بصورة طبيعية.. لم تمت الأسطورة. هكذا تردد التلال.. كما الصحراء.. كما السر الغريب.