Atwasat

المعارضون لمشروع الدستور: محاولة للتفكيك في إطار المقاصد

ضو المنصوري عون الأحد 19 أغسطس 2018, 09:03 مساء
ضو المنصوري عون

لم يكن المعارضون لمشروع الدستور يصدقون أن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ستنجز المهمة التي تكفل الإعلان الدستوري بإسنادها لها وفقًا لانتخابات حرة ونزيهة، وعزف الكثير منهم على وتر الاختلافات بين أعضاء الهيئة منذ صدرت مسوَّدة الدستور في 19/ 4/ 2016م، وإحالتها إلى مجلس النواب وصدور أحكام قضائية بوقف نفاذها، وسيطرت حالة من الجمود على العملية الدستورية، إلى أن أدرك أعضاء الهيئة ضرورة التوافق بينهم، وهو ما تم تجسيده بصدور قرار الهيئة التأسيسية رقم «1» لسنة 2017م، بتشكيل لجنة التوافقات الدستورية من اثني عشر عضوًا.

وباشرت اللجنة عملها، برئاسة الدكتور عبدالحميد جبريل، واستمعت لجميع الآراء على كل مواد الدستور، مادة مادة، بل سمحت اللجنة لكل أعضاء الهيئة بأن يقدموا مقترحاتهم ورؤيتهم على كل نصوص المشروع، وعند عرض مشروع الدستور الذي انتهت إليه لجنة التوافقات الدستورية مقابل عدة أطروحات أخرى، حصل مشروع لجنة التوافقات الدستورية على 35 صوتًا مقابل حصول بقية المشاريع على ثلاثة أو أربعة أصوات في أحسن الأحوال.

ومع ذلك استمرت اللجنة في الاتصال بجميع أعضاء الهيئة لإحداث تنقيحات على نصوص المشروع، إلى أن وصل يوم التصويت إلى الصورة التي صدر بها، حيث صوتت الهيئة على هذا المشروع في 29/ 7/ 2017م، بـ 43 صوتًا من أربعة وأربعين، أي وفقًا للنسبة التي اشترطها الإعلان الدستوري وزيادة عليها.
هذه المقدمة أضحت ضرورية للقائلين إن هناك مشروعين للدستور. (19/ 4/ 2016) و(29/ 7/ 2017)م، وحتى تكون الصورة واضحة فإن مشروع 19/ 4/ 2016م، لم يحصل على النصاب الذي اشترطه الإعلان الدستوري، وأصدرت محكمة استئناف البيضاء قرارًا بوقف تنفيذه لحين الفصل في الموضوع، مشيرة إلى عدم حصول المشروع على 41 صوتًا وهي النسبة الموصوفة في الإعلان الدستوري. وهذا ما حدا بالهيئة التأسيسية إلى إصدار القرار رقم  «1» لسنة2017م، بتشكيل لجنة التوافقات الدستورية تفاديًا للجمود وتنفيذًا لحكم قضائي.

وهو ما يقطع بأن المشروع الذي أقرته الهيئة في 29/ 7/ 2017م، هو، وحده دون غيره، مشروع الدستور. ولا حاجة لنا للتدليل وفقًا لأسس القضاء الإداري والقرارات الإدارية التي نعتقد أنها لا تغيب عن كل قريب من الصناعة القانونية، هذا أولًا.

ثانيًا: الأثر الأول للصدمة. لم يعد أمام المناوئين للعملية الدستورية، وقد فلت الزمام من بين أيديهم، إلا امتشاق أبواق القنوات الإعلامية للقول إن هناك قضايا رُفعت أمام محكمة استئناف البيضاء ومحكمة استئناف بنغازي، ونفخ في هذه الأحكام المبتدئة إلى أن أصدرت دائرة القضاء الإداري بالمحكمة العليا حكمًا تضمن مبدأ قضائيًّا مفاده «عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعاوى المتعلقة بالمسار التأسيسي». وأوضح بجلاء حالة الهيئة التأسيسية وتعريفها ومهمتها التأسيسية، وأنها ليست سلطة قضائية أو تشريعية أو تنفيذية. بل هي سلطة تأسيسية من مهمتها إعداد دستور دائم للبلاد ولا يجوز لأي من السلطات الثلاث التدخل في أعمالها.

هذا الحكم التاريخي الذي توافق مع الفقه والقضاء المقارنين جعل من المناوئين لمشروع الدستور يوجهون بوصلتهم نحو مفاهيم أخرى عائمة، غامضة، مشوشة كالقول إن مشروع الدستور «كارثي» أو «مسوَّدة معيبة» أو مسوَّدة «ستدخل البلاد في حرب» أو «إنها تُرسخ المركزية» أو إنها «تؤسس للدولة الدينية» انسجامًا مع نفس الأنغام التي تعزف في هذا السياق.

هذه الصرخات الملتبسة ظلت حبيسة البرامج الموجهة من القنوات والمحطات التي تموَّل من الخارج بغرض تنفيذ مخطط من بعض الدول يهدف إلى عدم استقرار ليبيا وضرب مشروع الدستور الذي يعتبرونه خطرًا على بلدانهم ومتعارضًا مع سياساتهم، ووضع شروطًا لا تتوافر في عملائهم المستترين، فرفعوا عيار المعارضة لمشروع الدستور بتعلات لا تنطلي حتى على الأطفال مثل، عدم وجود استقرار ووجود الميليشيات وانعدام الأمن، للوصول إلى التقرير بانتخابات دون مشروع الدستور، بعد أن اشترطوا قاعدة دستورية بطريقة هلامية يصعب تحديدها أو الاتفاق عليها أو حتى الاجتماع لتكوين مَن سيقوم بإعدادها.

إذاً ظهرت نتائج الصدمة واختلفت الرقصات، لكنها جميعًا تتفق مع «نحن نرفض مشروع الدستور» مع إخفاء أن هذا المشروع يهدد مصالحهم لأنه يؤسس لبناء الدولة، والتداول السلمي على السلطة وتحقيق المساواة بين الليبيين وإحداث تنمية اجتماعية وتنمية اقتصادية وتنمية مكانية وتحقيق اللامركزية الموسعة وتثبيت الهوية الليبية الجامعة، واللغة العربية لغة الدولة، وليبيا جزء من الوطن العربي، وإعطاء مكنة احتكار الدولة للسلاح إلا عن طريق الجيش والشرطة، وحماية المال العام، وعدم سقوط الجرائم المتعلقة به بالتقادم، وقيام الوظيفة العامة على الجدارة والكفاءة وتكافؤ الفرص وفحص المؤسسات وفقًا لأحدث معايير العدالة الانتقالية وتحقيق المحاكمات العادلة وفقًا لأحدث شروطها على المستوى الدولي الذي تضمنته الاتفاقات الدولية، وكذلك وحدة ليبيا وسيادتها التي لا تقبل التجزئة.

هذه المبادئ المرعبة في نظر المناوئين هي التي أفزعتهم وأحدثت «مسًّا» في تصرفاتهم على أصعدة عدة بدأت تظهر معالمه من صالونات ثقافية وإذاعات موجهة وأكادميين طامعين في السلطة ومنظومات اقتصادية تخشى على مكاسبها من قوت الشعب الليبي ومعاناته. وهو ما يقودنا إلى الإشارة إلى أن طوابير المصارف وشح السيولة، بل انعدامها، وتدني الخدمات الصحية إلى مستوى لم تشهده أكثر الدول تخلفًا، وعدم قدرة المواطن على الوفاء لعائلته بأقل المتطلبات المعيشية، وانعدام الأمن وانتشار المجموعات المسلحة في كل حي، وشبح الحرب الذي يلوح في الأفق كل يوم، وحكومات تفرقت من بعضها، وسلطات تشريعية تستخدم السلاح عند نقاش قانون الاستفتاء على مشروع الدستور.

كل هذه المعيقات المعيشية المتوالدة لا يشعر بها المناوئون لمشروع الدستور، الذين يريدون ترسيخ الأمر الواقع للحفاظ على مصالحهم، ولا يعانون ضـنك العيش مثل بقية الليبيين، ولهذا فهم لا يريدون دستورًا.

هذا المشروع أو غيره لا يمكن فهم ما تقدم بأنه ترويج لنصوص مشروع الدستور الذي أعدته هيئة منتخبة من الشعب، لكنها كلمات تستمد حرارتها من معاناة الليبيين وحاجتهم إلى بناء الدولة، وإن وُجدت بالمشروع عثرات فهو عمل من صنع البشر يمكن تصحيحه بعد تجربته وهو ما يكفله المشروع من أجل بناء الدولة والتقدم خطوة نحو سلم الحياة التي أرادها الله لنا.

_______________
ضو المنصوري عون، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور