Atwasat

لا أمن لمعتدٍ

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 12 أغسطس 2018, 12:36 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

مثَّل "بناء" دولة إسرائل على أرض فلسطين، ومازال يمثل، عاملا سلبيا [كارثيا] على المنطقة العربية، من حيث تشريد جزء كبير من الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه والتلاعب بمصيره وحياته اليومية، كما إسرائيل تمكنت، إلى حد كبير، من توجيه مسارات الشعوب والدول العربية، خاصة المحيطة بفلسطين والقريبة منها. ولعب وجودها الدور الحاسم في حدوث الانقلابات العسكرية في الدول العربية وقيام أنظمة الاستبداد العسكري. لقد اكتسبت الأنظمة العسكرية، تقريبا إلى ما قبل حرب أكتوبر 1973، مبرر حدوثها وقيامها وغطاءها الشعبي الذي زكاها وأضفى عليها الشرعية من الشعار الأساسي الذي صدعت به وهو شعار تحرير فلسطين.

وأيا كان الأمر، فأنا أعتقد أن هذه الأنظمة كانت صادقة وجادة في نيتها هذه وحاولت تنفيذها وفق الظروف التي اكتنفتها وأفقها الفكري والسياسي. ومن المعروف أن إسرائيل مثلت قلعة متقدمة للغرب، بالذات أمريكا، في المنطقة لتؤدي وظيفتين. الأولى في مواجهة الاتحاد السوفياتي، وهي كانت تؤدي هذه الوظيفة إلى جانب إيران الشاه وتركيا العضو في حلف الناتو. والوظيفة الثانية ضبط مسار الدول العربية، وبالذات المحيطة بفلسطين، ولعب دور الشرطي في المنطة.

لكنني أعتقد أن أهميتها في لعب هاتين الوظيفتين قد تراجعت كثيرا. فبالنسبة للوظيفة الأولى زال الاتحاد السوفياتي ولا يبدو أن روسيا وريثته تشكل خطرا كبيرا على الغرب، وبالذات أمريكا، إضافة إلى أن إسرائيل نفسها أصبحت تضع استراتيجيتها (*) إزاء الاحتقان والتوتر المتصاعد بين أمريكا وروسيا على خط الحياد بحيث لا تخسر أيا منهما، على خلاف موقفها السابق حيث تميل إلى أمريكا. أما الوظيفة الثانية فقد كشف عجزَ إسرائيل عن القيام بها، على الأقل في بعض الحالات، احتلالُ العراق للكويت سنة 1990، حيث اضطرت قوى الغرب الفاعلة، إلى التدخل المباشر لتحرير الكويت.

وبغض النظر عن تطرف إدارة ترامب الحالية في محاباة إسرائيل، فإنني أعتقد أن تأييد الغرب غير المشروط لإسرائيل قيد التراجع

وبغض النظر عن تطرف إدارة ترامب الحالية في محاباة إسرائيل، فإنني أعتقد أن تأييد الغرب غير المشروط لإسرائيل قيد التراجع. صحيح أن إسرائيل استثمرت، بشكل أو آخر، احتلال أمريكا للعراق سنة 2003وما ترتب عنه من وضع مترد مازال جاريا، واستثمرت انفصال جنوب السودان، وتستثمر الآن (**) وبجهد مكثف التحولات التي شهدها الإقليم ويشهدها منذ 2011 في خفض التهديدات المباشرة لأمنها، الذي ربما جرأها على إعلان يهودية الدولة، إلا أنني أرى أنها ستظل بعيدة عن تحقيق أمنها بالشكل المرجو، لأن متاعبها باطنة فيها من خلال الوجود الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948 وما يترتب عنه من تنامٍ سكاني، ومقاومة الشعب الفلسطيني المسلحة المستمرة على الأقل من أواسط الستينيات وحتى الآن، والاحتجاجات والانتفاضات الشعبية المتكررة.

أريد أن أورد هنا حكاية على الهامش: بداية الثمانينيات، حين كنا في السجن، وفي حديث مع الراحل عبد العزيز الغرابلي قلت له: لديَّ قناعة بأننا سندخل القرن الواحد والعشرين بدون النظام العنصري في جنوب أفريقيا وبدون إسرائيل. فرد عليَّ: أتفق معك بشأن جنوب أفريقيا، لكن بخصوص إسرائيل لا يبدو لي ذلك.

ورغم أن التاريخ أكد توقع عبد العزيز، إلا أنني مازلت أتوقع زوال إسرئيل ككيان عنصري فاشي ديني.

* مواكبة التغيرات: المنظور الإسرائيلي للتهديدات الأمنية في المنطقة، اتجاهات الأحداث، ع 26- 2018
** محمد عبد الله يونس،سياسات التوسع: دور إسرائيلي متصاعد في التفاعلات الإقليمية. اتجاهات الأحداث، ع 26- 2018