Atwasat

قرصان الرمال ولعبة الدول

سالم العوكلي الثلاثاء 19 يونيو 2018, 12:03 مساء
سالم العوكلي

كانت مشاركة مهرب السلاح القديم، المدعو إبراهيم الجضران، في حراك فبراير عبر استيلائه على غنائم من معركة سرت تمثلت في سيارات وأملاك قبائل القذاذفة، حيث أنه في الفترة التي خرج فيها رتل القذافي وكاد أن ينجو لولا ضربات الناتو كان الجضران متجها إلى إجدابيا بغنائمه التي كان يوصلها دوريا ثم يعود ليستولي على غنائم أخرى.

وبهذا الشكل مارس دوره المعتاد كقرصان وقاطع طرق، واستطاع عبر ما سرقه من نقود وذهب من بيوت سرت النازح أهلها أن يجند الكثير من التابعين له ليشكل ما يسمى بحرس المنشآت النفطية، وبدأت هذه المجموعة بأسلحة خفيفة قبل أن تتسلح وبشكل سريع بأسلحة ثقيلة، من عربات عسكرية وراجمات ومدافع هاوزر وغيرها من المعدات الثقيلة، التي يقال أنها وصلته عن طريق تشاد قدوما من السودان كدعم من دول إقليمية كان يهمها السيطرة على الهلال النفطي مثلما حاولت السيطرة يوما ما على قناة السويس إبان حكم الأخوان في مصر، وعبر هذه المجموعات المأجورة، وما وصله من سلاح ثقيل، نصب نفسه آمرا لحرس المنشآت النفطية، وليرتفع عدد أفراد الحرس؛ الذين يشكلون ميليشيا جضران، من 3 آلاف فرد فترة النظام السابق إلى 12 ألف فرد، من بينهم مرتزقة تشاديون، وليلعب لعبته السياسية الأولى عبر الحراك الفيدرالي والدفاع عن حقوق برقة كي يحشد مزيدا من الدعم من بعض عناصر القبائل الموتورة من رهاب المركزية أو بعض العنصريين الذين تاجر بكرههم للغرب الليبي.

نصب نفسه آمرا لحرس المنشآت النفطية، وليرتفع عدد أفراد الحرس؛ الذين يشكلون ميليشيا جضران، من 3 آلاف فرد فترة النظام السابق إلى 12 ألف فرد

بأوامر من خارج ليبيا أقفل في صيف 2013 الموانئ النفطية، ما حرم البلاد وشعبها من تصدير 600 ألف برميل يوميا، وما تسبب في خسائر تقدر بحوالي 100 مليار دولار حسب تصريحات رئيس مؤسسة النفط الليبية مصطفي صنع الله، دون أن يتوقف عن أعمال القرصنة والتهريب التي يجيدها، حيث تمكنت البحرية الأمريكية من ضبط إحدى محاولاته الكثيرة في تهريب النفط الليبي وقبضت على ناقلة النفط "مورننغ غلوري" في مارس 2014 وهي ترفع علم كوريا الشمالية قبالة ساحل قبرص.

وحين فشلت حكومة زيدان في التفاوض معه من أجل الإفراج عن قوت الليبيين الذي أصبح يهربه لحسابه الشخصي وحساب المجموعات التشادية المتمردة، لجأ زيدان إلى إغرائه برشوة قدرت ب 300 مليون دولار، دُفعت له عن طريق رئيس لجنة الطاقة بالمؤتمر الوطني مقابل الإفراج عن تصدير النفط بشكل شرعي وتثبيته في منصبه، وليُنصب عبر هذا المال المنهوب شقيقيه في مفاصل مهمة تخدم عصابات التهريب التي يقودها، أحدهما نصبه رئيسا لمجلس إجدابيا المحلي، والثاني أميرا لتنظيم أنصار الشريعة بأجدابيا.

قبل ثورة فبراير كانت مهنة القرصان جضران تهريب السلاح والمخدرات بين تشاد وليبيا، وهو الأمر الذي جعل له حلفاءَ أقوياء في تشاد من مهربي السلاح والمخدرات مازال يستعين بعصاباتهم في هجومه المتكرر على الهلال النفطي، كما كانت له علاقات قديمة مع الجماعات المتطرفة المتنقلة في الصحراء والتي كان يزودها بالسلاح مقابل المال الذي يحصلون عليه من فديات تدفع مقابل اختطاف مواطنين أوروبيين.

الجضران الذي تعامل معه سفراء غربيون، وتابعون لأجهزة مخابرات دول إقليمية ودول كبرى، والذي زاره في مقره مبعوث منظمة الأمم المتحدة السابق كوبلر شادا على يده بعد اعترافه باتفاق الصخيرات والمجلس الرئاسي ما لبث أن ضرب بالنغمة الفيدرالية التي لعب بها عرض الحائط وانخرط في صف المجموعات المتطرفة وجماعات الإسلام السياسي في المنطقة الغربية ليعلن حربه على الجيش الوطني حتى تخلت عنه قبيلته وطرد من الهلال النفطي، لينخرط في عمله الأصلي وهو التهريب، وهذه المرة تهريب البشر، لكن عيون داعميه من دول إقليمية وأجهزة مخابرات دولية لم تغفل عنه باعتباره أداة مطيعة لخلط الأوراق كلما ذهبت الأزمة الليبية في طريق الحل، ودائما الهلال النفطي هو الورقة المهمة التي على القرصان ومرتزقته إيقافه أو حرقه كلما جاءت الفرصة.

الآن وبعد إحساس هذه القوى بقرب نهاية معركة درنة ضد الإرهاب كان لابد من تحريك الدمية المطيعة كي تربك الوضع لصالح الجماعات المتطرفة

الآن وبعد إحساس هذه القوى بقرب نهاية معركة درنة ضد الإرهاب كان لابد من تحريك الدمية المطيعة كي تربك الوضع لصالح الجماعات المتطرفة من جهة، ولصالح القوى التي لا تريد حل الأزمة الليبية الآن من جهة أخرى.

ومثلما كان قراصنة السفن في الصومال أوراقا سياسية تلعب بها القوى المتصارعة على القرن الأفريقي، أصبح القرصان جضران لعبة القوى نفسها في الصراع حول الهلال النفطي؛ قوت الليبيين الذي منع عنهم حتى المجاعة والنزوح بالملايين من البلد.