Atwasat

عشرات الروايات لحادثة واحدة

نجوى بن شتوان الأحد 31 يوليو 2016, 10:59 صباحا
نجوى بن شتوان

الذي ردد هتافاً ثم مات، كان دوره أن يعطي الهتاف صوتاً.

الذي تبول من شدة الخوف، كان دوره أن يكسر القاعدة ليصبح للبول إرادة.

الذي ترك الكتاب الماركسي من يده ونظر من النافذة ثم أغلقها وأدخل رأسه في الكتاب بقوة، كان دوره أن يتعرف شعره الطويل الملتصق ببعضه من قلة الغسل، على لحية ماركس الكثة.

الذي نظف ميدان المحكمة حيث اجتمع الهتاف، كان دوره أن يلعب الإسكواش الليبي .

الذي رسم صورة الديكتاتور محجباً، على أحد الجدران، كان دوره أن ينكر أن الله خلقه رجلاً.

الذي أعد الشاي مجاناً لمرتادي الميدان، كان دوره إمداد الثورة بعنصر الانتباه المفقود.

الذي لبس ربطة عنق قديمة في رقبته المرنة، وذهب يبحث عن اعتراف العالم بالصراخ في وجه الديكتاتور، كان دوره أن يحرر ربطة العنق من عث التخزين.

الذي تابع برامج التلفزيون الثورية واحترقت أعصابه منها، كان دوره أن يدخن معظم السجائر في كشك عبد الله السوداني الراكدة منذ تقسيم السودان سودانيين.

الذي أطلق أول رصاص في الثورة، كان دوره أن يخرج الأسلحة المتراكمة منذ عقدين في المخازن، وكان دور القتلى أن يدحضوا مصطلح العمر الافتراضي والصلاحية.

الذي نام وترك التلفزيون ينقل مجريات الأحداث، كان دوره أن يضاعف إحصائية متتبعي القناة، فالأرقام لا تكذب مثل الكلمات.

الذي ذبح عجلاً مازال يتعرف على طعم العشب، ونذر لحمه وجلده صدقة للشهداء، كان دوره أن يمنح العشب عمر عجلين وبقرة.

الذي ركب سيارة وأخرج جذعه منها محتفلاً بالنصر، كان دوره أن يصرع 510 حصاناً ألمانياً فيها.

الذي أرسل رسائل مجانية لأصدقائه عن لا شيء كان دوره أن يقول: حتى عندما لا يفعل الإنسان شيئاً فهو يفعل شيئاً ما. الذي بحث عن آخر علبة تن في المطبخ، متخيلاً شكلها أمامه بعد أن شح الطعام، كان يطبق نظرية المُثل دون أن يشعر، على حساب نظرية المؤامرة دون أن يعي.

الذي وعد ابنه بصيف في فرنسا وأسبانيا، عندما يتحسن وضع العملة الوطنية، كان يخدم تحسين وضع العملة غير الوطنية.

الذي قال للرجال الآن بوسعكم الزواج بأربع نساء، كان دوره رفع الستر عن كثير من اللوطيين المستورين في مجتمع محافظ.

الذي مزق مقررات المدارس القديمة ونسي راية النظام السابق في إحداها، كان دوره أن يجعل في العجلة ثورة وفي الثورة ندامة.

الذي رفع معنويات الشعب المنهارة وأقام أمسية شعرية، تلا فيها قصائد حب، كان دوره أن يلفت الانتباه إلى أن الحب نفق وغواية.

الذي كتب مقالات متحمسه للثورة ، كان دوره أن يعيد دورة الحياة للحبر.

الذي اتصل ببرنامج تلفزيوني يعالج مشاكل الناس ويفسح مجالاً لسب المسؤولين، كان دوره أن يعيد العلاقة المنتهية مابين الهاتف والتلفزيون، سباً.

الذي رفع رايات الدول الصديقة للثورة كان دوره أن يعزز الصداقة ما بين الألوان والسماء.

الذي ُقتل بعض صحبته في الثورة، كان دوره أن تنشأ له علاقة جديدة مع القتلة.

الذي قتل بعض الأشخاص لأن عمله يتطلب الدفاع عن الوطن، كان دوره أن يحقق قدراً من الجريمة المجملة.

الذي صمم بعض الشعارات، كان دوره أن يصغر المأساة.

الذي ركب طائرة من أجل الثورة، كان دوره أن تركب الثورة الطائرات.

الذي ذهب للمقبرة برصاصة طائشة، كان دوره أن يقال عن الرصاصة طائشة لا عن راميها.

الذي تكهن بنهاية الحرب كان دوره أن يصل قبل الجميع ثم يخبرهم عن النهاية.

الذي رفع العلم البديل وغنى النشيد البديل، كان دوره أن يكون ممحاة.

الذي أخبر أهله عن رجل اعترض الدبابة بجسده، ورجل قسم رتلا كبيرا إلى نصفين بحركة واحدة، ورجل عانق حبيبته وماتا في إحدى نوبات الدفاع، ورجل تبرع للثوار بنصف ثروته ورجل سجد شكراً فلقي ربه ساجداً، ورجل دفع ديون الناس التي وجدها بدفتر أحد الدكاكين، ورجل أحبط تفجير مدرسة أطفال بالعثور على العبوة الناسفة، كان دوره أن يكون رجلاً فقط.

الذي هرب إلى مصر والذي هرب إلى تونس والذي هرب إلى مالطا والذي هرب إلى أفريقيا والذي هرب إلى أوروبا والذي هرب إلى استراليا والذي هرب إلى آسيا والذي هرب إلى أمريكا، كان دورهم أن يؤكدوا انفتاح ليبيا على العالم.

الذي مازال يهرب البشر في قوارب الهجرة غير الشرعية كان دوره أن يؤكد أن الهجرة على مايرام ولم تتأثر بالثورة.

الذي تدخل فيما لا يعنيه من الثورة والثروة والسلاح والسلطة والدين والحب، كان دوره اختبار حصانة تصميمها.

الذي ذهب للحج ودعا الله لتنجح الثورة، كان دوره أن يرجم الشيطان ليتم حجه ودعاؤه.

الذي مرض ومات قبل أن يذود عن ماله وعرضه وأرضه، كان دوره ألا يكوت شهيداً.

الذي سرق واشترى بيتاً كان دوره أن يخرج المال من بنك لبنك ويحرك عجلة الاقتصاد.

الذي كتب مناشير ثورية علي الفيسبوك، كان دوره كالذي قرأها.

الذي آمن بالنقاش الديمقراطي ووضع كرسياً في الحي مع الجالسين وتبادلوا الأفكار، كان دوره أن يثبت أن الحوار يمكن له أن يكون بلا طاولة مستديرة أو طويلة.

الذي صلى صلاة استخارة، كان دوره تجميل المصلحة عندما تكون الحاجة عند الله.

الذي قاد سيارة الإسعاف دون عدة إسعاف، كان دوره أن يحل المشكلة الطبية بالسرعة والبنزين.

الذي دق مسماراً في بيتهم وعلق صورة شهيد، كان دوره استعمال الشهيد بصوت المطرقة والمسمار.

الذي تزوج دون حفلة عرس لأن الحزن يملأ قلوب العائلتين، كان دوره أن يثبت طريقة غير مكلفة لإنجاب الأطفال.

الذي هدم بيت جاره لأنه خائن والذي وشى بصديقه أو أحد معارفه، كان دوره أن يسوق إليهم جزءا من أقدارهم.

الذي يعي أن الرسول أوصاه بسابع جار، وكف من تلقاء نفسه عن أن يكون له جيران، كان دوره أن يخبر الرسول أن هناك فرقا في الجيران.

الذي نظم بيتاً من الشعر عن الثورة والذي رد عليه ببيت آخر والذي رد عليهما، كانت أدوارهم بيتوتية.

الذي ابيضت عيناه حزناً، كان دوره برهنة ما يفعله الحزن وما لا يستطيعه دواء.

الذي هرم في انتظار هذه اللحظة التاريخية كان دوره تاريخياً. الهرم.

الذي كسر الصورة وخرج من الإطار، كان دوره أن يملأ فراغاً ما.

الذي مات منتحراً، كان دوره أن يثبت تحكم الإنسان في الموت وليس في الحياة.