يُحدق خطر الانهيار بموقع «قورينا» الأثري وسط مدينة شحات في الشرق الليبي، إذ لا يزال الموقع المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ العام 2016 غارقًا في مياه الفيضانات التي أغرقت المنطقة على إثر انهيار سدي «البلاد» و«أبومنصور» في أعقاب العاصفة «دانيال» التي ضربت الشرق الليبي يوم العاشر من سبتمبر الجاري، حسبما أفادت «فرانس برس» بالنقل عن شهود بالمنطقة وخبراء وعالم آثار.

 الموقع الأثري العتيق لا يزال مغموراً بالمياه
وأوضح رئيس البعثة الأثرية الفرنسية في ليبيا، فنسان ميشال، في تصريح لوكالة «فرانس برس» أن الموقع التاريخي العتيق الذي يعود للحقبة الإغريقية بات مهددًا لكونه لا يزال مغمورًا بالمياه، لافتًا إلى قيمته التاريخية كونه «أضخم وأكبر مستعمرة يونانية، ومدينة بُنيت بين نهاية القرن السابع وبداية القرن السادس قبل الميلاد».

مجلس الدولة يطالب بتحقيق دولي في كارثة درنة.. ويؤيد مطالب أهل المدينة
أونماخت يعرض مشاركة ألمانيا في إعادة إعمار المناطق المتضررة جراء «دانيال»

ونقلت وكالة «فرانس برس» عن المتخصصة في الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية، كلوديا غازيني، التي زارت قورينا في الأيام الأخيرة، قولها إن «الموقع لا يزال مغمورًا بالمياه إلى حد كبير وقد تعرض لانهيارات عدة».

 تجمع المياه والحجارة بمقر الموقع
وحذرت غازيني في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس من داخل مدينة بنغازي، من تجمع المياه والحجارة بمقر الموقع، موضحة أن «شارع الوادي، الطريق الانحداري الذي يصطف على جانبيه أسوار قديمة، كان يربط الجزء العلوي من الموقع الأسري بالجزء السفلي، تدفقت عبره مياه الأمطار، وأدى سقوط كتل من الحجارة بالطريق ذاته إلى منع تدفق المياه، لذا لا تزال تتجمع في الموقع وتهدده».

نافورة أبولو تحولت إلى «حوض استحمام»
وأضافت غازيني أن «الجزء السفلي من الموقع، بات مجمعًا للمياه الموحلة التي باتت تخرج من الأرض وسط الآثار بشكل متواصل»، موكدة أن «أهالي المنطقة، مسؤولًا من دائرة الآثار المحلية موجودون في الموقع لكنهم يجهلون تماما مصدر هذه المياه.»

 انهيار كتل كبيرة وسط المسرح اليوناني
ولفتت الخبيرة المتخصصة في الأزمات الدولية، إلى أن الأسوأ من كل ذلك، هو أن «نافورة أبولو» وهي عبارة عن بركة طبيعية محفورة في كهف تجمع مياه الينابيع الصافية، «تحولت إلى حوض استحمام كبير»، مؤكدة أن كل ذلك كان بسبب «خمس ساعات من الأمطار الغزيرة التي هطلت على الموقع وقرية شحات المجاورة ليلة 10 و11 سبتمبر الجاري». وعبرت غازيني عن قلقلها بشأن «وضعية المسرح اليوناني، بعدما انهارت كتل كبيرة وسطه».

ونقلت «فرانس برس» عن مقطع مصور بثته غازيني مع أحد سكان منطقة شحات عبر فيه عن مخاوفه بشأن الموقع الذي كان يعد متنزهًا سياحيًا لمعظم سكان المدينة نظرًا لموقعه المطل على البحر الأبيض المتوسط، في ظل احتمال هطول أمطار الشتاء.

الجدار المحيط بالموقع الأثري مهدد بالانهيار
وأوضحت غازيني أن «الجدار المحيط بالموقع الأثري قد ينهار ويزيل جزءًا كبيرًا من الموقع الأثري حال استمر تسرب المياه وظلت المياه متراكمة في الموقع».
لكن وكالة «فرانس برس» نقلت عن، فِنسان ميشال، وهو خبير تمكّن من تحليل صور للمكان بعد الفيضانات، أن «لا دمار كبيرًا في قورينا في الوقت الراهن، ولا تزال الآثار قائمة»

لكن ميشال أبدى تخوفه من «سيول المياه والتراب والحجارة التي قطعت الطرق- لا سيما- الطريق الملكية، منبها إلى أن الضرر الرئيسي آتٍ لأن المياه انتشرت على نطاق واسع وأضعفت أساسات الآثار»، مضيفاً أن «الآثار معرضة للانهيار بسبب عدم وجود أساسات قوية».
وبحسب ميشال تمثل المقبرة الضخمة الواقعة شمالي الموقع، مصدر قلق آخر، إذ تتلقى بها «مئات الأمتار المكعبة من المياه، كان من الممكن أن تؤدي إلى إزاحة المقبرة وغمرها بالماء».

وتضم مدينة قورينا واحدًا من أعظم المعابد في العصور القديمة، وهو معبد زيوس الأكبر من معبد البارثينون في أثينا، على ما يؤكده الخبير في اتصال هاتفي مع «فرانس برس» من فرنسا. ودعا ميشال السلطات الليبية إلى «التعاون مع السلطات المحلية بالتنسيق مع اليونسكو لتحديد أبرز مواطن الضعف في الآثار» واستعادة دوران المياه و«المشاركة في تدعيم الآثار».

صورة نشرتها كلوديا غازيني المتخصصة في الشؤون الليبية عبر حسابها بمنصة «إكس» 17 سبتمبر 2023 (فرانس24)

صورة تظهر المياه التي غمرت موقع قورينا نشرتها كلوديا غازيني المتخصصة في الشؤون الليبية عبر حسابها بمنصة «إكس» 17 سبتمبر 2023 (فرانس24)

مدينة قورينا منطقة أثرية ضاربة في القدم في ليبيا (أرشيفية: دوتش فيليه)