Atwasat

اتهامات للمجتمع الدولي بتأييد تقاسم السلطة بين «النخب الفاسدة» في ليبيا بحجة «الاستقرار»

القاهرة - بوابة الوسط الإثنين 19 يونيو 2023, 11:59 مساء
WTV_Frequency

تثار شكوك جدية حول إجراء انتخابات في ليبيا هذا العام، رغم تزايد الحديث عن الموعد الذي اقترحه المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، لكن المجتمع الدولي يوجه إليه اتهامات بتأييده تقاسم السلطة بين «النخب الفاسدة»، من أجل ضمان «الاستقرار»، متجاهلاً تطلعات الشعب الليبي.

ورغم هذه الاتهامات، تستمر الانشغالات نفسها قائمة حول القضايا الأساسية لتنظيم الانتخابات وضمان احترام النتائج من قبل جميع الأطراف، منذ فشل إجرائها في ديسمبر 2021، وفق المحللة السياسية الإيطالية المختصة في الشأن الليبي فيرجيني كولومبييه في تحليل لها، نشر اليوم الإثنين، بموقع «أوريان 21» الفرنسي.

وكانت البعثة الأممية قد تخلت عن دورها كوسيط في 2021، تاركةً يدها للأطراف الليبية المتنافسة، وبالتالي ضمنت فشل العملية الانتخابية على خلفية الجدل حول أولوية الاقتراع البرلماني أم الرئاسي، والخلافات حول شروط الترشح للرئاسة، ووقتها ظل الدبلوماسيون الغربيون يرددون أنهم «يأملون» أن تجري الانتخابات كما هو مخطط لها، دون معرفة كيفية الرد على من سألوهم عن «الخطة ب» في حالة أجهض الموعد الانتخابي.

المستفيدون من جمود الموعد الانتخابي
وعرَّجت كولومبييه على أطراف الصراع، ومن بينهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة الذي رسخ نفسه بقوة في منصبه في طرابلس، معتبرة أنه «مستفيد من خزائن الدولة، من خلال بناء شبكة واسعة من التحالفات التي تمزج بين شخصيات من النظام السابق وقادة مسلحين وممثلين فاعلين من ثورة 2011 ورجال أعمال وأعضاء سابقين في الأجهزة الأمنية وشخصيات مقربة من التيار الديني السلفي»، وعلقت المحللة: «اتحد الجميع حول هدف مشترك: الاستفادة من قرب السلطة لتعزيز نفوذهم وإثراء أنفسهم».

ويشير التقرير الفرنسي إلى أن الدبيبة وحلفاءه ليسوا الوحيدين الذين استفادوا من استمرار الجمود الانتخابي، ففي بنغازي «يواصل عقيلة صالح الهيمنة على مجلس النواب المنتخب في العام 2014، وهو برلمان منقسم بشدة»، حيث ترى المحللة أن عقيلة «يتلاعب بالمجلس متى شاء ويستمر في تعزيز السلطة عليه في ليبيا وخارجها».

في حين تشير إلى أن «المشير خليفة حفتر يسيطر وأبناؤه على القوات المسلحة الليبية المنتشرة في جنوب وشرق البلاد، ويستفيدون من أموال المصرف المركزي، واكتسبوا أيضًا دورًا مركزيًا في مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية». وتتساءل كولومبييه: «كيف إذن نتفاجأ في هذا السياق من عدم رغبة أطراف الصراع الرئيسية في إجراء انتخابات مما قد يعرض مواقعهم وأرباحهم للخطر؟».

- معهد إسباني: النخبة السياسية في ليبيا قد تختطف لجنة باتيلي الجديدة
- د. علي عبد اللطيف احميده لـ«الوسط»: النخب الحالية أسوأ ما أنجبت ليبيا من انتهازية.. وطوق النجاة في قيادات جديدة
- مندوب بريطانيا: من المؤسف أن النخبة السياسية الليبية لم تتفق على أي أساس للانتخابات

غضب الشباب من النخب الحاكمة
في المقابل، لفت التقرير الفرنسي إلى غضب المواطنين الليبيين تجاه المحتفظين بالسلطة لما يقرب من عقد من الزمان، والذين يعتبرونهم المسؤولين الرئيسيين عن التدهور العميق لظروفهم المعيشية وانعدام الأمن العام وانعدام الآفاق بالنسبة لأصغرهم سنًا في بلد غني بالنفط والغاز، حيث الخدمات الرئيسية والسلع العامة (الكهرباء والصحة، والتعليم، وفي كثير من الأحيان المياه) مفقودة.

وخلال صيف عام 2022، اندلعت احتجاجات كبيرة في معظم المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد، واستهدفت المؤسسات والسياسيين من جميع الأطياف بشكل عشوائي. وأوضحت الخبيرة أن الشباب الليبي (أكثر من 30% من السكان دون الرابعة عشرة من العمر) لعب دورًا مركزيًا في حركة التعبير عن الغضب الشعبي. وهتف المتظاهرون «الشعب يريد الانتخابات». لكن هذه الحركة فقدت الزخم بسرعة، إذ ما زال الليبيون يريدون الانتخابات وليس لأنهم يؤمنون بـ«الديمقراطية» بل يرون فيها وسيلة للتخلص من النخب الطفيلية التي تنخر تدريجيًا ما تبقى من الدولة الليبية.

الدولة الليبية تتفتت.. وتتخذ شكل شبكات من نوع المافيا
وترى كولومبييه أن «الدولة الليبية بدلاً من أن تُبنى وتوطد وتجعل أكثر كفاءة وشرعية منذ وفاة معمر القذافي، تتفتت أكثر فأكثر كل يوم، وتتخذ تدريجيًا شكل شبكات من نوع المافيا التي استعمرت مؤسسات على جميع المستويات وعبر القطاعات، التعاون أو القتال مع بعضهما البعض حسب السياق والفرصة».

ففي الوقت الذي كان فيه آلاف الليبيين يعبرون عن استيائهم من النخب الحاكمة في صيف عام 2022، يشير التقرير إلى إبرام «صفقة خلف الكواليس بين خليفة حفتر وعبدالحميد الدبيبة بعدما جرى تعيين رئيس جديد للمؤسسة الوطنية للنفط مقرب من الأول، مقابل رفع الحصار النفطي. وبالتالي ضمان التدفق المنتظم - والوافر - للدخل من مبيعات النفط إلى خزائن الدولة، واعتبر اتفاقًا جيدًا لجميع الأطراف الرئيسية الليبية والدولية، وهكذا ضمنت حكومة طرابلس تدفق موارد مالية كبيرة لمواصلة تعزيز سلطتها. في مقابل حصول المشير حفتر على تمويل مضمون لقواته المسلحة والأمنية، وقد طمأنت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة: سيستمر النفط الليبي في التدفق إلى الأسواق الدولية».

الأمم المتحدة.. التواطؤ الغربي.. ومناورات عقيلة والمشري
التقرير عاد إلى تعيين عبدالله باتيلي ممثلاً خاصًا للأمين العام للأمم المتحدة في سبتمبر 2022، ومعه عادت قضية الانتخابات إلى محور المناقشات، فقد أشار الوسيط والدبلوماسيون الغربيون إلى الضرورة الملحة لتجديد شرعية المؤسسات السياسية. ومع ذلك، فقط في فبراير 2023 أمام مجلس الأمن قدم باتيلي الخطوط العريضة لـ«مبادرته للسماح بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول نهاية العام».

وفي نظر كولومبييه، المبادرة ذات ملامح غامضة، لكنها كانت مفاجئة، حيث بدا أن وسيط الأمم المتحدة مصمم على الاستئثار بالملف، وعدم السماح للأطراف الرئيسية للصراع بالاستمرار في إعاقة التقدم المحرز، من خلال تشكيل «لجنة رفيعة المستوى» تضم شرائح مختلفة من المجتمع الليبي.

لكن الأمل في تنفيذ استراتيجية جديدة للخروج من الأزمة أخيرًا لم يدم طويلا، فعند ظهور أولى بوادر الضغط المتزايد عليهم، عاد رئيسا مجلس النواب والدولة على الفور إلى العمل ضمن لجنة (6+6)، وكان هدفهم هو الحفاظ على الوضع الراهن.

وبخصوص مواقف الجهات الغربية، تعلق المحللة الإيطالية كولومبييه بأنه «حتى لو استمر الجميع في الإصرار على الانتخابات، فإن مصلحة الجميع في الواقع هي الحفاظ على الاستقرار الظاهر الحالي وتعزيزه»، وذلك بناء على الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في أكتوبر 2020، وتدفق النفط، فيما جرى منح الشركات في جميع أنحاء المنطقة عقودًا كبيرة.

وتعتقد الخبيرة أن الجهود الدبلوماسية الآن تنصبّ على ترسيخ الاتفاقات غير الرسمية بين أطراف النزاع، إذ لم يعد الأمر الأساسي هو تنظيم انتخابات تجعل من الممكن إرساء أسس نظام سياسي جديد يعتبره الليبيون شرعيًا وتمثيليًا، بل الشيء الرئيسي هو «استقرار» البلد والمنطقة بأسرع ما يمكن، ويجري ذلك من خلال إبرام صفقات جديدة (رسمية أو غير رسمية) بين اللاعبين الرئيسيين في الصراع.

في هذا السياق، تشكك المحللة في أهمية عقد الاستحقاق، قائلة «حتى لو جرى تنظيم الانتخابات بشكل نهائي على أساس مثل هذا الاتفاق (وهو أمر مشكوك فيه)، فما الفائدة منها؟».

وتؤكد أن إعطاء الأولوية لـ«الاستقرار» في البلاد «يعزز كل يوم أكثر مواقع أولئك الذين قاموا بتفكيك ما تبقى من الدولة لخدمة مصالحهم الشخصية، حيث المجتمع الليبي محروم من أي دور في بناء مستقبل البلاد، والأخطر من ذلك أن الشباب غير قادرين على تخيل مستقبلهم في ليبيا المنقسمة والفقيرة والمحتجزة من قبل النخب الفاسدة».

وفي ظل هذه الظروف، تختتم كولومبييه بتساؤلات حول احتمال أن يرسي «الاستقرار المنشود دائما، الأسس لحل طويل المدى للصراع الليبي».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
«وسط الخبر» يناقش تداعيات الانفلات الأمني في الجميل
«وسط الخبر» يناقش تداعيات الانفلات الأمني في الجميل
حكومة حماد تستعد لتوقيع مذكرات تفاهم مع جهات مصرية في التدريب والتأهيل
حكومة حماد تستعد لتوقيع مذكرات تفاهم مع جهات مصرية في التدريب ...
«جهاز الردع»: سجن تاجر المخدرات عبدالرحيم الفيتوري المحكوم غيابيًا
«جهاز الردع»: سجن تاجر المخدرات عبدالرحيم الفيتوري المحكوم ...
شاهد في «هذا المساء»: المصرف الخارجي.. خيالات صراع سابق قد تعود
شاهد في «هذا المساء»: المصرف الخارجي.. خيالات صراع سابق قد تعود
إغلاق طريق السراج في طرابلس لاستكمال فتح المسارات
إغلاق طريق السراج في طرابلس لاستكمال فتح المسارات
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم