احتضن بيت محمود بي بطرابلس، أمس الأربعاء، ندوة حوارية تكريمية للشاعر الليبي الكبير مفتاح العمّاري، أدارها وقدمها الكاتب حسين المزداوي، بحضور عديد النخب الثقافية والإعلامية، وجاءت ضمن فعاليات ليالي المدينة.

تحدث الشاعر مفتاح العماري عن انطلاقته الأدبية قائلاً إنه «دخل عالم الكتاب دون أي إرث عائلي معه، وحتى الآن معظم بيوتنا الليبية تفتقر للعلاقة بينها وبين الكتاب للتصالح والتسامح مع الكتاب»، وأشار إلى أن العلاقة مع الكتاب بقدر صعوبتها بقدر بساطتها فكانت الرواية هي منطقة الجذب الأولى، وامتد ذلك خلال مطلع عشرية سبعينات القرن المنصرم، وتبعا للعمر آنذاك انكببت على مطالعة أعمال إحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، ومحمد عبدالحليم عبد الله

أضاف العمّاري : يبدو بأنني لامست منطقة أخرى هي تتصل كذلك بالسرد وهي قصص ألف ليلة وليلة وهذا العمل ساهم بشكل كبير في تغذيتي فاستطعت من خلاله أن أعيش أجواء خاصة، واستمرت لعبة القراءة، ولاحقا تأسست عائلة من أسماء أدباء مهمين وأخذت اللعبة في التطور فتربّت الذائقة وتنامت يصاحبها وعي بامكانية لتحديد الخيارات، وحتى عام 1975م لم يظر قط أي مؤشر للكتابة، وأشار العمّاري إلى أن المحاولات الأولى للكتابة بدت ساذجة تنسجم إلى حد كبير مع أسئلة المرحلة كالحرية والكيان الاجتماعي التقدمي.

- العماري: عندما يتورط الشاعر في التنظير لتجربته كمن يفسد قهوته بزيادة السكر
- مفتاح العماري.. شواهد من ذاكرة الجندي
- أمسية شعرية للشاعر «مفتاح العماري» في مدينة طرابلس

وأشار إلى أن أولى محاولاته للكتابة، عندما كان جنديا محاصرا بأوامر ونواهي الثكنة العسكرية التي تمنع ممارسة أي نشاط يخالف قوانينها، ودفع ثمن وجوده في هذه الدائرة بدخوله السجن عندما كان محررًا بمجلة «الشعب المسلح» العام 1987، بسبب مغادرته البلاد للمشاركة في مهرجان المربد. 

رهبة الكتابة باعتبارها مقدّس
وعن الحياة والشعر والحداثة، يؤكد أنه إزاء الكتابة «لا زال لدي رهبة كبيرة لما أجده فيها من قداسة»، فيما بيّن العمّاري ظروف نشأته بضواحي مدينة بنغازي والهوّة بينها وبين الحياة البيئة في الثكنات العسكرية واختلاف تقاليدها التي تطغى عليها السلوكيات البدوية فالمجتمع الموجود داخل الثكنة هو مجتمع بدوي، مضيفا: «كنت كل ما أحتاج إليه هو أن أقول شيئا وأن أعبر عنه وهو بأن أكتب تبعا للحظة التجلي، وأجدني حتى يومنا هذا كلما أشرع في كتابة نص ما أحس بأني أكتب لأول مرة فتلازمني معاني الشرف والفرح والخوف، وأستشعر بأني أكتب شيئا مقدسا».

وتوقف العماري عند محطات صراعه مع ذاته والآخر، من حيث شعوره أحيانا برهانِه على شيء خاسر في مقابل بيئة لا تنتمي إلى نسيجها، شارحًا وضع القصيدة بـ«عزلة كهفية» خصوصًا ما يتعلق بقصيدة النثر لدرجة أن بعض من يكتبون قصيدة النثر يفتقدون لأي علاقة حقيقية أو فهم أو احترام لقصائدهم. 

الشعر فقد موقعه وجوهره
وأردف أن الشعر على مستوى العالم يتجه للانحسار، وهي مسألة تتعلق بالوجدان، فمع تفسخ القيم تغيرت الكثير من المفاهيم، وفقد الشعر تبعًا لذلك موقعه، والجوهر الذي كان يمثله. 

و تطرق العماري إلى مسألة الكتابة الشعرية على المستوى العربي وعن التجربة الشعرية في ليبيا خصوصًا فيما يتعلق بالنثر والأسماء التي غالبًا كانت محاولات فردية جمعتها اللحظة، وتطورها جاء حسب الشغف الشخصي والإيمان بالشعر. 

العماري تنقّل بين محطات عدة تلخّص عشقه للقصيدة، وحبه للشعر في ولادة توازي ولادته الأولى في مسقط رأسه على هامش مدينة بنغازي عند أطراف سيدي عبدالجليل، حيث الحياة لها زخمها وثراؤها وسحرها. 

وجرى إهداء العمّاري في ختام الحوارية، شهادة تقديرعرفانًا بجهوده في إثراء المشهد الثقافي الليبي والشعري على وجه الخصوص.

 أبرز مجددي قصيدة النثر
مفتاح العماري (67 عاما) شاعر وأديب ليبي، عضو برابطة الأدباء والكتاب الليبيين، وصاحب مكانة متميزة في تاريخ الشعر المعاصر، يعُده عدد من النقاد أبًا روحيا للقصيدة الليبية الحديثة، ومن أبرز مجددي ما عرف اصطلاحا بقصيدة النثر، زوّد المكتبة الليبية والعربية بما يقرب من عشرين كتابا، يعنى معظمها بالشعر إلى جانب النصوص المسرحية والمقالات النقدية.

الشاعر مفتاح العماري في ببيت محمود بي، 23 أغسطس 2023. (بوابة الوسط)

جانب من الحصور في الأمسية التي أقيمت في ببيت محمود بي، بتاريخ 23 أغسطس 2023. (بوابة الوسط)

الكاتب حسين المزداوي مدير الأمسية التي أقيمت في ببيت محمود بي، بتاريخ 23 أغسطس 2023. (بوابة الوسط)