أحد معالم مدينة طرابلس القديمة التاريخية، وجزء من المبادرة المعمارية، وهو منظمة مجتمع مدني غير ربحية متخصصة في مجال التعليم المعماري والفنون والتطوير الحضري من خلال تطوير العمارة والفضاءات الحضرية، لإثراء الحياة المدنية المعاصرة والمستقبلية، حيث يستخدم الحوش حاليا مركزا للحرفيين وأصحاب الصناعات التقليدية تحت اسم «بيت أطرابلس للفنون والحرف التراثية».

«حوش الصابون» في شارع سيدي الحطاب تأسس في فترة حكم الأسرة القرمانلية (1711-1835م)، وتعود تسميته هذا الاسم نظرا لاستخدامه سابقا دارا لصناعة الصابون قبل قرنين من الزمان، بعدما امتلكته أسرة يهودية في العام 1890م، واستمر في إنتاج الصابون حتى العام 1942م.

نواة ثقافية للفن والصناعات 
وقد خضع المبنى لعدة أعمال صيانة وترميم على مراحل زمنية متفاوتة، ويتميز بطرازه المعماري الفريد الذي يميزه عن غيره من مباني المدينة بفنائه الفسيح وحجراته المتعددة ذات المساحات المختلفة والمطلة عليه، والمزدانة بالأقواس والمفردات المعمارية المنفردة التى جعلت منه ملائما لاستقطاب أنشطة ثقافية وفنية وحرفية متنوعة. وهذا الصرح يحمل من خلال هذه الأنشطة الكثير من الصفات الحضارية والثقافية، حيث يعد البيت نواة ثقافية للفن والصناعات الحرفية التقليدية، وهذه الصفات تتيح الفرص للاستثمار في البنية التحتية الثقافية من خلال إمكانية إسهامه في تحقيق التنمية المستدامة، وإدماج الثقافة في خطط وسياسات التنمية على الصعيدين الوطني والحضري.

- افتتاح عدد من مباني المدينة القديمة في طرابلس بعد صيانتها.
- بالصور: تجديد ساحة الباب الجديد بطرابلس.

هذه المؤسسة لا تحمي وتحافظ على تراثنا الثقافي فحسب، بل تعمل أيضًا منصة للتبادل الثقافي والحوار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي دعم الحرفيين المحليين والصناعات الثقافية إلى إحياء وازدهار المكان، وجذب السائحين والزوار إليه، وهذا بدوره سيسهم في خلق فرص عمل، وتعزيز الاقتصاد المحلي، والإسهام في إعادة إحياء المناطق الحضرية التاريخية.

جهود لنقل المعرفة الحرفية
الجهات القائمة على «حوش الصابون» تعمل على تحويل المبنى إلى مدرسة متخصصة لنقل المعرفة الحرفية بالصناعات التقليدية، وبناء المهارات للأجيال القادمة مثل صياغة معادن الذهب والفضة والنحاس، وحياكة النول، وخياطة الفرامل، وأعمال الفخار والبورسلين والرخام والنجارة والحدادة، والصناعات الجلدية والبحرية، وغيرها من الحرف التقليدية، والحرف اليدوية الأخرى، وتعرض بعدها جميع الصناعات المنجزة من قِبل المتدربين داخل هذه المدرسة.

ومن بين المعارض وورش العمل التي جرت استضافتها في الحوش، للإسهام في نشر الوعي بأهمية وحماية التراث، وطرح آفاق لتسويق المنتجات، ودعم المشاركين في بدء مشروعاتهم الخاصة:

● 2019: ورشة البلاط الأسمنتي الملون Encaustic tile بدعم من معهد قوته الألمانية Goethe institute، نقطة انطلاق مشروع بيت أطرابلس للفنون والحرف التراثية.

● 2022: تم الانتهاء من أعمال صيانة دار الصابون من قِبل جهاز إدارة المدينة القديمة، وتسلمت المبادرة المعمارية إدارة المكان كمركز حرفي انطلق، في أغسطس 2022، بتصميم وأداء مجموعة ورش تعريفية مصاحبة لورش تعليمية ركزت على أطفال المدينة القديمة، ومن أهمها:

○ التطريز وفن المكرامي.
○ النحت والخزف.
○ صناعة الصابون.
○ صناعة سلال البانبو.
○ فن الديكوباج وسكب الألوان.
○ النول.
○ أساسيات صياغة الذهب والفضة.
○ تطريز الفرامل.
○ استعمال الأطفال ألوانا مصاحبة لنماذج مطبوعة بتقنية 3D Printing.
○ «كاركاز».. معرض تفاعلي يختص بتطويع أسلاك الحديد لعمل تحف فنية.

● الأنشطة الاحتفالية والمحاضرات:
○ اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة.
○ يوم خاص بالبستنة والزراعة.
○ يوم العالة (طريقة خاصة لتحضير الشاي الليبي).
○ محاضرة لمجموعة من شباب رواد أعمال.

● جذب مجموعة من المصورين، لتصوير مشروعاتهم الخاصة مثل بعض الصور التى جرى التقاطها لـ«حوش الصابون» لمصلحة معرض السحارية وصورين، واستخدام المكان في أغراض دعائية، مع الأخذ في الاعتبار أن المنظمة لم تتلق أي مقابل مادي لكل هذه الأنشطة والورش.
● يوم الزي الليبي بأطيافه.
● محاضرة عن الصناعات الجلدية في ليبيا.
● ورشة حرفية للنقش على المعادن النحاس والفضة والذهب.

مزار للمهتمين بالتراث
كذلك حظي «حوش الصابون» بالعديد من الزيارات من قِبل السفراء وبعض الشخصيات المهمة منهم:

○ زيارات متكررة للسفير الألماني ميخائيل أونماخت، مصحوبة في كل مرة بشخصيات ألمانية مهمة، أبرزهم مسؤول العلاقات في الشرق الأوسط بالخارجية الألمانية ونائب في البرلمان الألماني.
○ زيارة متكررة لمديرة البنك الدولي في ليبيا، وطاقم الموظفين.
○ زيارتا د. حافظ الولدة، برفقة الدكتور ويل وتوون، رئيس قسم الآثار من جامعة كنجز.

وأصبح «حوش الصابون» أيضا مزارا لطلاب المدارس وفرق الكشافة والباحثين والكتّاب والفنانين والمهتمين بالتراث والحرف التراثية.

كما يعمل «حوش الصابون» على عمل مشروع إنتاجي، سيجرى من خلاله عرض منتجات باسم «حوش الصابون» من صنع فناني وحرفي الحوش، والمتعاونين مع هذه المؤسسة، وتسويقها بغرض تحسين مدخول الحرفيين، وكنوع من أنواع دعم المشروع جرى تأسيس المدرسة (بيت أطرابلس للفنون والحرف التراثية).

وخلال زيارتنا الحوش، قابلنا العديد من الفنانين الموهوبين بالفنون التشكيلية، والتصاميم الجرافيكية الرقمية، وسيناريوهات الرسوم المتحركة، والخط العربي، والعمل علي الثلاثة أبعاد، والفن السريالي الراقي (التعبير عن العقل الباطني).

دور منتظر لـ«حوش الصابون» في دمج الثقافة في أطر التنمية المستدامة
كما حظي الحوش باهتمام كبير من قِبل شريحة واسعة من الفنانين والمهنيين والكتّاب من ذوي المواهب الإبداعية المختلفة، إلى جانب مجموعة من الأساتذة والاختصاصيين في مجالات عدة، وبأعمار متفاوتة، بالإضافة إلى مساعدة الفنانين ومحترفي الثقافة على امتلاك القدرة على دمج الثقافة في أطر التنمية المستدامة، وتحسين أوضاع الفنانين، المهنية والاجتماعية والاقتصادية، عبر تبّني سياسات وتدابير ذات صلة ببرامج التدريب، وبناء القدرات، وتوفير فرص العمل والدخل، وحرية التعبير والمساواة بين الجنسين كأولوية شاملة.

وفي الختام، أري أن الحوش بإمكانه أن يلعب دورا مهما أكبر مما هو عليه الآن، ومستقبلي في استدامة وحماية التراث المعمارى والعمرانى بخصائصه وقيمه في مدينة طرابلس القديمة من خلال عقد محاضرات وجلسات نقاش، للتعريف بالتراث، وإعادة اكتشافه وحمايته وتوثيقه عبر تقنيات متنوعة، تتمثل في التصوير الفوتوغرافي والرسم، وإجراء مقابلات مع أصحاب المصلحة (الحرفيين - سكان المدينة - ممثلي المجتمع المحلي)، وخلق برامج بناء القدرات المتنوعة بشكل مستمر بالشراكة مع أصحاب المصلحة من القطاع العام والخاص، والتي تستهدف تعزيز مهارات ومعارف الأفراد والمنظمات، وتمكنهم من تحقيق أهدافهم، والإسهام في تنمية مجتمعاتهم.

ولا يسعنا إلا أن نوجه انتباهنا إلى التحديات التي يواجهها الفنانون المحترفون، بما في ذلك محدودية الوصول إلى التمويل، وعدم الاعتراف، وظروف العمل غير المستقرة. ونري أن معالجة هذه التحديات أمر ضروري، لتعزيز التنمية المستدامة في القطاع الثقافي المستدام، والتأكد من أن الفنانين والحرفيين قادرون على الازدهار في بيئة مستدامة وداعمة.

_________
الدكتور حافظ الولدة
رئيس لجنة استرجاع الآثار المهربة
المندوب السابق لليبيا لدي اليونسكو
 

نشاط ثقافي في حوش الصابون بمدينة طرابلس القديمة. (بوابة الوسط)

نشاط ثقافي في حوش الصابون بمدينة طرابلس القديمة. (بوابة الوسط)