Atwasat

سينمائيات: ثالثا.. من فيلم إلى آخر

بوابة الوسط - رمضان سليم الجمعة 06 أغسطس 2021, 10:25 صباحا
WTV_Frequency

من الطبيعي أن يتجه عمل المؤسسة العامة للخيالة بعد التأسيس إلى إنتاج نوعين من الأفلام الروائية القصيرة والطويلة والأفلام الوثائقية، مع الإشارة إلى أن أصحاب المهن السينمائية من العاملين كان عددهم قليلاً جدًّا، وقد شارك بعظهم في إنجاز بعض الأفلام، وكما هو معروف فقد كانت ليبيا سوقًا واسعة للعمالة الوافدة والعاملة بعقود خارجية وداخلية في كل المجالات، ولكن لم تعمل بالمؤسسة العامة للخيالة كفاءات جيدة وفاعلة، بل اختارت المؤسسة أن يعمل بها من غير الليبيين عناصر محدودة التجربة الفنية، بل ضعيفة المستوى، وهذا دليل آخر يؤكد غياب عامل التخطيط بصفة عامة.

ورغم ذلك فقد ارتبط اسم المؤسسة بفيلمين روائيين من النوع الطويل وليس القصير، وذلك في تجربتين متقاربتين زمنيًّا يمكن الإشارة إليهما بصرف النظر عن مستوى الإبداع السينمائي فيهما، فما يهمنا هو لحظة الإنجاز نفسها.

التجربة الأولى
في العام 1973 عرض أول فيلم ليبي روائي طويل.

كان اسم الفيلم «عندما يقسو القدر» لمخرجه عبدالله الزروق، الذي كان في بدايات عمله بالإخراج بعد تجربة أو أكثر في الأفلام القصيرة والوثائقية.

قبل ذلك كان هناك المنتج علي الهلودي، الذي أسس شركة إنتاج سماها «الشركة العربية للإنتاج السينمائي»، وقد قرر خوض مغامرة الإنتاج السينمائي رغم أن الظروف كانت غير مواتية لذلك.

علي الهلودي، مثل غيره من المهتمين بالسينما، كان يحلم بإنتاج أفلام ليبية مثلما يحدث في بعض البلدان العربية، والتأثير الأكبر كان بالطبع للسينما المصرية وأفلامها المتنوعة المعروضة في دور العرض بليبيا.

حاول المنتج أن يبدأ العمل في فيلم آخر بعنوان «ثورة في الصدور»، وصور مشاهد منه، ولكن العمل توقف، ثم جاءت الفرصة بفيلم «عندما يقسو القدر»، الذي كتب قصته أو فكرته الممثل عمر الشويرف، وطور الموضوع المخرج عبدالله الزروق في معالجة طويلة، وقد شارك في التمثيل كل من زهرة مصباح وعمر الشويرف وعبدالله الشاوش، وغيرهم.

استمرت أشغال التصوير لعدة أسابيع تحت إدارة المصور عبدالمجيد حميد، أما الصوت فقد أشرف عليه أحمد بلال وكان وراء الصوت والتصوير طاقم خدمات صغير استخدم كاميرات سينما، كانت متوافرة في تلك الفترة عند بعض الأصدقاء.

تدور قصة الفيلم حول شاب فقير، يبحث في حياته عن الاستقرار، من حيث العمل، كما كان يسعى للزواج من فتاة من نفس الطبقة البسيطة، ولكن صعوبة الحياة تعترض مجرى حياته، فيتجه نحو مسار آخر.

يستفيد الفيلم من الأفلام الوثائقية حول الحروب والمجاعات في العالم ويدمجها داخله. كما أن جوهر الحدث يتسق مع نكسة يونيو 1969 وأثرها السلبي على نفسية الشباب.

أشرف على المونتاج الفلسطيني فؤاد زيتون، وكان الفيلم فرصة لممارسة العمل المهني لبعض العناصر التي عملت في المجال الفني بعد ذلك، أمثال مصطفى الجعيدي ورمضان الزائدي وناصر المزداوي، وغيرهم.

 المؤسسة العامة للخيالة
لم تستطع شركة الإنتاج الخاصة أن تكمل عمليات ما بعد التصوير، ولقد تولت المؤسسة العامة للخيالة ذلك، بعد تأسيسها العام 1973، وفعلًا طُبع الفيلم بمعمل «الأبيض والأسود» بالمؤسسة، مع العلم أن المقاس كان 16 مم، وقد عُرض الفيلم أول مرة يوم 1-9-1973 بسينما الزهراء - الأوديون – بطرابلس، لكن عرض الفيلم أُوقف بناءً على معلومات خاطئة تفوه بها أحد طلبة الشهادة الثانوية في لقاء مفتوح مع معمر القذافي، لقد توهم الطالب المتسرع أن الفيلم يحتوي على مشاهد غير لائقة أخلاقيًّا، ولم يكن الأمر كذلك بالطبع، فلقد خلط هذا الطالب بين الفيلم وفيلم وثائقي عُرض قبل فيلم «عندما يقسو القدر»، ورغم أن هناك مَن تدخل للتوضيح إلا أن القذافي أصدر تويجهًا فرديًّا في لحظتها بإيقاف الفيلم وهو جالس على الطاولة بمدرسة «علي النجار» الثانوية، وبالتالي لم يعرض هذا الفيلم - وهو أول فيلم ليبي روائي طويل – بعد ذلك في أي دار عرض، ونحن الآن في العام 2021 ولا نعلم على وجه التحديد هل النسخة الإيجابية ما زالت موجودة أم لا، ولا نسأل بالطبع عن النسخة السالبة، وهذا الأمر تكرر مع فيلم آخر سوف نتناوله في حينه.

كان يفترض أن يشارك الفيلم في مهرجان قرطاج السينمائي بتونس، ولكن لم تصل النسخة إلى إدارة المهرجان في الوقت المناسب.

بالفعل كان يمكن أن يكون هذا الفيلم، الذي ربما كان متواضعًا، بداية محمودة في مجال الإنتاج السينمائي في ليبيا، ولكن لم تستمر عملية الإنتاج بالسرعة المطلوبة بالنسبة للأفلام الروائية الطويلة.

التجربة الثانية
بعد سنتين أو أكثر جاء الفيلم الثاني ونعني فيلم «الطريق»، مع العلم أن ذلك قد حدث من حيث ترتيب العرض فقط لأن تصوير هذا الفيلم بدأ مبكرًا.

ربما كانت الفكرة هي السبب وراء تنفيذ هذا الفيلم. إنها فكرة تدعو إلى تعزيز أواصر التعاون الجماعي وبعث روح المبادرة عند الأفراد، دون انتظار لأي تدخل من الدولة، أو الاعتماد عليها كليًّا، وبالتالي عدم الركون إلى الاتكالية، وتوقع الدعم والمساعدة من أطراف أخرى خارجية. أي بمعنى ضرورة الاعتماد على النفس.

هذه هي الفكرة الجماعية التي يعتمد عليها فيلم «الطريق»، قرية معزولة، ليس لديها طريق يربطها بالمدينة البعيدة نسبيًّا عنها، وبسبب ظرف طارئ يتمثل في وجود أحد المرضى في القرية، ممن في حاجة ماسة إلى العلاج السريع، والنتيجة كانت سلبية، بذلك لا يجد الناس أمامهم إلا حفر طريق وتمهيده لكي يمكن لأي وسيلة نقل أن تنقل المرضى وغير المرضى بسهولة إلى المدينة.

قاعة الودان
أُنتج الفيلم العام1973 وتم تحميضه وطبعه بمعمل «الأبيض والأسود» التابع للمؤسسة العامة وفي العام 1974 عرض هذا الفيلم في قاعة «الودان»، وعرض أيضًا عرضًا خاصًّا في القاهرة، وذلك بعد اكتمال نسخة 35 مم، لكن النسخة لم تكن جيدة بما يكفي لعدم التوافق بين الصوت والصورة في الحوارات.

القصة ذات طابع اجتماعي أساسها بناء طريق يخدم المنطقة النائية اعتمادًا على تعاون الأفراد، وهي قصة تتماشى مع الظروف السياسية المطروحة مع بداية السبعينات. لقد كتب القصة أحمد الدرناوي أحد العاملين بقسم السينما، ثم إدارة السينما قبل عمله بالمؤسسة، وقد تكوَّن الطاقم الفني من الفلسطيني محمد يوسف شعبان، مخرجًا وكاتبًا للسيناريو، والمصور عبد المجيد حميد مديرًا للتصوير، وأحمد بلال في مجال الصوت، والهادي الغول في مجال المونتاج، وأشرف على الموسيقى التصويرية محمد عطية، أما طاقم التمثيل فقد شارك فيه كل من، عياد الزليطني، يوسف الغرياني، مصطفى المصراتي، سالم أبو خشيم، سعيدة بوراوي.

ما يميز هذا الفيلم، مثل سابقه «عندما يقسو القدر» اعتماده على الكفاءات المحلية، وكلًا من التجربتين الأولى والثانية لو قدر لهما الاستمرارية وبشكل منتظم لصار في حوزة مكتبة السينما الليبية عشرات الأفلام الروائية الطويلة، وما ينبغي أن يقال حول هذا الفيلم إن موضوعه ربما يصلح لفيلم روائي قصير أكثر من فيلم روائي طويل.

ورغم ذلك فإن الجهد المبذول كان مقبولًا، وهو أفضل من تجارب أخرى سوف نتحدث عنها في مناسبات أخرى.

طالع: سينمائيات: أولا أسئلة السينما في ليبيا

طالع: سينمائيات: ثانيا في التجربة السينمائية الليبية

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
ريتشارد غير في «أوه.. كندا» بعيد عن أدواره الأكشن
ريتشارد غير في «أوه.. كندا» بعيد عن أدواره الأكشن
مركز السينما العربية يعلن أسماء الفائزين بـ«جوائز النقاد»
مركز السينما العربية يعلن أسماء الفائزين بـ«جوائز النقاد»
تركمانستان تدشن أحد أكبر التماثيل لأشهر شعرائها
تركمانستان تدشن أحد أكبر التماثيل لأشهر شعرائها
اعتماد «مدرسة الهضبة الخضراء المركزية» بطرابلس معلما تاريخيا
اعتماد «مدرسة الهضبة الخضراء المركزية» بطرابلس معلما تاريخيا
فرع قديم ومدفون لنهر النيل يكشف لغز بناء الأهرامات (دراسة)
فرع قديم ومدفون لنهر النيل يكشف لغز بناء الأهرامات (دراسة)
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم