أكد خبراء وتحليل بيانات الأقمار الصناعية أن العدوان العسكري المستمر على قطاع غزة منذ الثامن من أكتوبر الماضي من بين الحروب الأكثر دموية ودمارا في تاريخ البشرية الحديث.

ونقلت وكالة «أسوشيتد برس»، في تقرير نشرته الجمعة، أنه خلال شهرين تقريبا أنزل العدوان الإسرائيلي دمارا في غزة أكبر من العمليات العسكرية في مدينة حلب السورية التي امتدت بين عامي 2012 – 2016، وأكثر من حملة القصف التي شنها الحلفاء على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وقتل مدنيين أكثر من العمليات التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش»، واستمرت ثلاث سنوات تقريبا.

ولم يعلن الاحتلال الإسرائيلي طبيعة القنابل والمدافع التي استخدمها في غزة، لكن خبراء يؤكدون أن غالبيتها أميركية الصنع، وذلك من خلال تحليل بقايا القنابل على الأرض، وتحليل صور الآثار التي خلفتها الضربات الجوية. وتشمل الأسلحة المستخدمة قنابل تزن كل منها أكثر من 900 كغم، تُستخدم في دك الحصون، ما تسبب في مقتل الآلاف في مناطق مكتظة بالفعل بالسكان.

ويكثف المجتمع الدولي الدعوات لوقف إطلاق النار، مع تخطي أعداد ضحايا العدوان الإسرائيلي عشرين ألف شهيد، بينما يصر الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة عملياته القتالية، برا وبحرا وجوا، لتحقيق أهدافه المزعومة.

وتواصل الولايات المتحدة إمداد الكيان الإسرائيلي بالأسلحة والعتاد العسكري بشكل منتظم. وعلى الرغم من ذلك، أقر الرئيس الأميركي حو بايدن بأن «إسرائيل بدأت تفقد الشرعية الدولية» بسبب ما وصفه بـ«حملة القصف العشوائي للمدنيين في غزة».

- «نيويورك تايمز»: ما هي أدوات إدارة بايدن للضغط على «إسرائيل» لإنهاء الحرب على غزة؟
- «واشنطن بوست»: «إسرائيل» أسقطت 22 ألف قنبلة أميركية الصنع على غزة
- بعد فيتو مجلس الأمن.. واشنطن تبيع ذخائر جديدة إلى «إسرائيل»

تدمير غالبية البنية التحتية في غزة
وتسبب العدوان الإسرائيلي في تدمير أكثر من ثلثي البنية التحتية في شمال غزة، وربع المباني في مدينة خان يونس بجنوب القطاع، وذلك حسب تحليل بيانات القمر الصناعي «كوبرنيكوس سنتينل-1» أجراه كل من كوري شير من مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، وجامون فان دن هوك من جامعة ولاية أوريغون.

وأظهر التحليل أن نسبة المباني المتضررة في منطقة خان يونس تضاعفت تقريبا خلال الأسبوعين الأولين فقط من الهجوم الجنوبي الإسرائيلي. ويشمل ذلك عشرات الآلاف من المنازل، بالإضافة إلى المدارس والمستشفيات والمساجد والمتاجر.

وقال مراقبو الأمم المتحدة إن نحو 70% من المباني المدرسية في أنحاء غزة تعرضت لأضرار. وكانت ما لا يقل عن 56 مدرسة متضررة بمثابة ملاجئ للمدنيين النازحين. كما أكد مراقبون أن الغارات الإسرائيلية دمرت 110 مساجد وثلاث كنائس.

وقال كوري شير: «غزة الآن تبدو بلون مختلف عن الفضاء. باتت نسيجا مختلفا». وعمل مع فان دن هوك على رسم خريطة الدمار عبر العديد من مناطق الحرب، من حلب إلى ماريوبول.

دمار أكبر من الحرب العالمية الثانية
وبحسب المقاييس، فإن الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي في غزة قد تجاوز قصف الحلفاء ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. وقال المؤرخ العسكري الأميركي روبرت بيب: «بين عامي 1942 و1945، هاجم الحلفاء 51 مدينة وبلدة ألمانية كبرى، ودمروا نحو 40-50% من مناطقهم الحضرية. هذا يمثل 10% من المباني في جميع أنحاء ألمانيا مقارنة بأكثر من 33% في أنحاء غزة، وهي منطقة ذات كثافة سكانية عالية، وتبلغ مساحتها 360 كيلومترا مربعا فقط».

وأضاف: «غزة هي واحدة من أشد حملات العقاب المدني في التاريخ. إنها تصنف الآن في الربع الأعلى من حملات القصف الأكثر تدميراً على الإطلاق».

ويعد الهجوم الذي شنه التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العام 2017، لطرد تنظيم «داعش» من مدينة الموصل العراقية، أحد أكثر الهجمات كثافة على مدينة منذ أجيال. وأدت تلك المعركة، التي استمرت تسعة أشهر، إلى مقتل نحو عشرة آلاف مدني، ثلثهم بسبب قصف التحالف.

وخلال حملة، امتدت بين عامي 2014-2017، لهزيمة «داعش» في العراق، نفذ التحالف ما يقرب من 15 ألف ضربة في جميع أنحاء البلاد. وبالمقارنة، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي الأسبوع الماضي إنه نفذ 22 ألف غارة في غزة.

- كيف وظف الاحتلال الإسرائيلي الذكاء الصناعي لمضاعفة حجم الدمار في غزة؟
- «لوموند» تكشف حقيقة ادعاء الاحتلال الإسرائيلي بشأن الأنفاق تحت مستشفى الشفاء
- تقرير لـ«سي إن بي سي»: الحرب على غزة تؤخر التنمية لعقود وتحول اقتصادها إلى «خراب»

الاعتماد على أسلحة أميركية الصنع
ولم يعلن الاحتلال الإسرائيلي طبيعة الأسلحة المستخدمة في الحرب. لكن محقق الأسلحة في منظمة العفو الدولية، برايان كاستنر، صرح بأنه جرى العثور على شظايا قنابل أميركية الصنع من نوعية «ذخائر الهجوم المباشر المشترك»، وقنابل ذات قطر أصغر في غزة. وتشمل «ذخائر الهجوم المباشر المشترك» قنابل دقيقة موجهة تزن ما بين 450 – 900 كغم تقريبا.

وأفاد كاستنر بأن انفجار قنبلة تزن 900 كغم في منطقة مدنية يعني «موتا فوريا ومحققا لأي شخص يقف في نطاق 30 مترا منها، وقد تصل الشظايا المميتة إلى مسافة 365 مترا».

وكشف خبراء، في وقت سابق، أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم هذا النوع من القنابل، التي تزن 900 كغم، في غارات جوية على مخيم جباليا، نهاية أكتوبر الماضي، ما تسبب في مقتل مئة مدني على الأقل.

كما حدد الخبراء أيضًا شظايا قنابل «SPICE»، وتعني «ذكية ودقيقة التأثير وفعالة من حيث التكلفة»، زنة 2000 رطل، مزودة بنظام توجيه «جي بي إس»، لجعل الاستهداف أكثر دقة.

وأوضح كاستنر أن القنابل من إنتاج شركة الدفاع الإسرائيلية العملاقة «رافائيل». لكن بيان وزارة الخارجية الأخير، الذي حصلت جريدة «نيويورك تايمز» على نسخة منه، أظهر أن بعض التكنولوجيا جرى إنتاجها في الولايات المتحدة.

كما يُسقط الجيش الإسرائيلي قنابل «غبية» (dump bombs) غير موجهة. وأشار العديد من الخبراء إلى صورتين، نشرتهما القوات الجوية الإسرائيلية على وسائل التواصل الاجتماعي في بداية الحرب، تُظهران طائرات مقاتلة محملة بقنابل غير موجهة.