Atwasat

التبصر والتبصر المضاد

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 13 يونيو 2021, 11:23 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

ما انفك د. الهادي بوحمرة، اختصاصي القانون، يدافع، ببسالة، عن مسودة مشروع الدستور المزمع طرحه للاستفتاء، ويرى فيه حلا كفيلا بإخراج ليبيا من الوضع المتأزم الذي تتخبط فيه، ومضيا إلى الأمام.

ومن جانبي، أرى أن مسودة مشروع الدستور هذه "فضيحة حقوقية" تجعل ليبيا، لو أقر هذا الدستور، تستدبر المستقبل والحاضر وتعدو، كما لو في سباق، إلى ماض مظلم.

الدكتور بوحمرة يعيد، تقريبا، نفس الحجج، وإن بشكل منقح. وأنا أفعل الشيء ذاته في ردودي عليه. مع ملاحظة أنني أرد على مقالاته وحججه بشكل مباشر، وهو يرد على مقالاتي وحججي بشكل ضمني.

آخر مقالات الدكتور بوحمرة نشر الخميس الماضي 10 يونيو بـ "بوابة الوسط" بعنوان "إلى الاستفتاء". فالعنوان يحمل مضمونا استحثاثيا وتحشيديا يتفق مع الدعايات الانتخابية.

يدخل الدكتور بحمرة إلى الموضوع مباشرة موردا حججه ضد "من يعرقلون الاستفتاء بحجج مختلفة" طالبا منهم "التبصر" في ما يعدده من حجج. أي أنه ينفي على خصومه "التبصر" ويعلن، ضمنا، امتلاكه هو له. لكن هذه نقطة غير ذات شأن، إذ إن المتخاصمين ينفون، عادة، نعمة التبصر عن بعضهم، وإلا لما أبدوا اختلافا.

من غير الممكن، هنا، مناقشة الحجج التي يطالبنا الدكتور بوحمرة بالتبصر فيها، حجة حجة، وهي أربع، وسنكتفي بتلخيص الثلاث الأولى منها، التي هي ملخصة أصلا، آملين ألا يكون تلخيصنا مجحفا، ونركز، بتبصر مناقض لتبصره، على بعض تفاصيل الحجة الرابعة، التي أفاض في شرحها.

يقرر الدكتور الهادي أن:
* الاستفتاء [على مشروع الدستور] حق للمواطن لا يمكن تجاوزه بأية حجة.

* من حق أي مواطن رفض مشروع الدستور أو قبوله، لكن من خلال الصندوق.ـ

* دعوة الناس للرفض أو القبول مكفولة.
وهي، لعمري، حجج بالغة الوجاهة والمتانة، لبها الانصياع لـ "حكم الأغلبية"*.

لكننا نرى** أن "حكم الأغلبية" لم يعد، في عصر مواثيق حقوق الإنسان والحريات العامة، حاكما وملزما، ما لم يتوافق مع هذه المباديء والمواثيق والإنجازات الحقوقية. فإذا تنافي "حكم الأغلبية" معها عد باطلا ونافلا. ومسودة مشروع الدستور تتعارض مع ذلك تعارضا مطبقا.

يخصص الدكتور بوحمرة الحجة الرابعة للإشارة إلى مشاريع الدساتير التي "تعرضت لحملات تشويه قوية" وهنا يخرج بنا الدكتور الهادي، باستخدامه مفردة "تشويه"، من وصف الخصوم بعدم التبصر إلى وصفهم بسوء النية. لكن هذه المشاريع، يقرر الدكتور بوحمرة، فازت في "الغالبية العظمى من الاستفتاءات"عليها. ويضرب مثلا بدستور سنة 1958 الفرنسي الذي وصفه معارضوه (مشوهوه؟!) أنه "فُصل على مقاس ديغول، وأنه يصنع ديكتاتورا، وأنه يخالف أعراف فرنسا في النظام البرلماني، وأنه بدعة؛ لأنه ابتدع النظام شبه الرئاسي، وأنه يسئ لفرنسا، وأنه من صنيعة طرف من أطراف اليمين، وبعد الاستفتاء قبله الفرنسيون بنسبة تزيد على الثلثين".

لا أريد أن أتعدى على اختصاص الدكتور بحمرة، أو اختصاص أي كان، فأنا غير مطلع على أي دستور ولم أقرأ طيلة حياتي كتابا عن القانون، لكنني أتحدث من وجهة النظر الحقوقية، وهي شيء مختلف عن القانون، وإن اتصل به. ومن هذه الزاوية لا يبدو لي أن الدستور الفرنسي كان معاديا للمباديء العامة لحقوق الإنسان والحريات العامة، مثلما هو شأن مسودة مشروع الدستور الليبي محل الحديث الذي يطيح بأي إنجاز حقوقي تحقق منذ زمن حامورابي.

في كل كتاباته حول الموضوع يتجنب الدكتور الهادي بوحمرة الإشارة إلى علاقة "حكم الأغلبية" بحقوق الإنسان. وهذه نقطة تعارضنا المفصلية معه.

* انظر: http://alwasat.ly/news/opinions/308341?author=1
** انظر: http://alwasat.ly/news/opinions/308718?author=1