Atwasat

أيام دوخت العالم!

جمعة بوكليب الخميس 06 مايو 2021, 03:03 صباحا
جمعة بوكليب

يوم 23 مارس 2021، من الأيام التي دخلت التاريخ، لأنه يؤرخ ليوم جنوح حاملة الحاويات الضخمة «Ever Given» في قناة السويس، مما أدى إلى إغلاقها، وتعطل الملاحة الدولية بها. الإغلاق لم يستغرق سوى أيام قليلة، إلا أنها تسبب في دواخ العالم. الخبر استحوذ على نشرات الأخبار العالمية، وزاد إلى جانب كارثة الفيروس الوبائي، في إرباك الأسواق الدولية عموماً، وأسواق النفط الخام على وجه الخصوص، على أعتبار أن معظم ناقلات النفط والغاز القادمة من موانئ دول الخليج النفطية قاصدة الموانئ الأوروبية تمر من القناة. كما تسبب الإغلاق في تكون طابور طويل من السفن المحملة بمختلف البضائع، (قرابة 500 سفينة، وبسلع قدرت قيمتها بمبلغ 67 مليار دولار) في طريقها للموانئ الآسيوية والأوروبية. وفي لندن، استضافت القنوات التلفزية على اختلافها كبار المختصين في الملاحة البحرية لشرح ما حدث، وتأثير تداعياته على التجارة العالمية، و من خلال تلك اللقاءات المتلفزة، تبين أن 12 % من تجارة العالم تمر سنوياً عبر ذلك الممر المائي الواصل بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط. واتضح أن توقف الملاحة بالقناة يسبب خسارة مالية يومية للتجارة الدولية تقدر قيمتها بـ9.6 مليار دولار أميركي.

السفينة وشحنتها من الحاويات، مازالت محجوزة في البحيرات المرة، بأمر سلطات قناة السويس. وإطلاق سراحها مرهون بدفع الشركة المالكة، أوالمسيرة، غرامة مالية تقدر بمليار دولار تقريباً، تمثل مجموع ما تكبدته الخزينة المصرية من خسائر نتيجة حرمانها من رسوم تدفعها السفن العابرة للقناة يومياً، مضافاً إليها فواتير الأموال التي أُنفقت، والجهود التي بذلت من أجل إنقاذ السفينة. الحادثة وما سببته من ارتباك نتيجة التعطل في حركة التجارة الدولية، ربما أفلحت، بشكل غير مباشر، في لفت أنظار الكثيرين، إلى الدور الذي يلعبه النقل البحري في التجارة الدولية، وفي غيرها من القطاعات الحياتية. من تلك المعلومات، أن النقل البحري يساهم بنسبة تصل إلى 90 % من كل شيء، حسب آراء المختصين، بسبب رخص أسعاره مقارنة بالأنواع الأخرى من المواصلات. وأن دوره لا يقل أهمية على «الإنترنت». ولولاهما، يقول الخبراء، لن يكون هناك مكان للعولمة. الاثنان ألغيا الحواجز الحدودية: الأولى في قطاع المعلومات والأخبار ..إلخ، والثانية في مجال حركة تنقل السلع والبضائع باختلافها.

إغلاق القناة في وجه الملاحة الدولية ليس سابقة غير معهودة. فالقناة منذ افتتاحها العام 1869 تعرضت للإغلاق عدة مرات. لكن أطول فترات الإغلاق كانت في حرب 5 يونيو العام 1967، وتسببت تلك الحرب في إغراق مجموعة من السفن العابرة، كانت في داخل القناة، لدى اندلاع المعارك. وفي تلك المرة، استمر الإغلاق لمدة ثمانية أعوام. وكلما تعرضت القناة للإغلاق، تضطر شركات النقل البحري مكرهة إلى تغيير خطوط سير سفنها التجارية العاملة القادمة من البلدان الآسيوية في طريقها إلى الموانئ الأوروبية، أو بالعكس للدوران حول «رأس الرجاء الصالح»، في رحلات طويلة زمنياً ومكلفة مالياً، وعرضة للأخطار.

وقرأت أن إغلاق القناة العام 67م، وما ألحقه من أضرار جسيمة بالخزينة المصرية وبحركة التجارة الدولية، أدى إلى تطور في صناعة السفن. والقصة، كما رواها خبراء مختصون، هي أن اضطرار السفن، بعد الإغلاق، لتغيير خطوط سيرها بالمرور بمنطقة رأس الرجاء الصالح، وهي منطقة معروف عنها أنها كثيرة العواصف وشديدة الأنواء، جعل من الصعوبة بمكان الإبحار عبرها. تلك الصعوبة اضطرت شركات النقل البحري للتفكير في صناعة سفن أكبر حجماً وثقلاً يمكنها مقاومة العواصف، والقيام بالمهام على أفضل وجه. وهذا بدوره أفضي بالمكاتب الهندسية المتخصصة في تصميم السفن، إلى الانهماك في تصميم نوع جديد من السفن، بمواصفات تتلاءم ومستلزمات السفر في الخط البحري البديل للقناة.

حين افتتحت القناة تبين أنه من غير الممكن عبور السفن الشراعية منها بسبب الظروف المناخية، التي تجعل الرياح تهب من الغرب إلى الشرق، في حين أن القناة تمتد من الشمال إلى الجنوب. وبالتالي، فإن الملاحة عبرها غير متاحة لغير السفن البخارية. ونظراً لاحتياج السفن البخارية للفحم الحجري كوقود، أدى ذلك إلى تفكير الحكومة البريطانية في تأسيس موانئ بحرية لتزويد السفن بالفحم، ومن هنا جاءت أهمية ميناء مدينة عدن اليمنية، لقربه من البلدان النفطية، ومن الهند جوهرة التاج البريطاني، واكتسابه الأهمية التي حظي بها لعقود طويلة.
القناة أيضاً كانت السبب وراء فكرة اختراع ناقلات للنفط لتوفير الجهد والمال والوقت.

قبل اختراع الناقلات كان النفط ينقل في براميل على متن سفن من مناطق استخراجه إلى مختلف بقاع العالم. ولهذا السبب كانت أسعاره تقدر بسعر البرميل. الفكرة انبثقت في ذهن رجل أعمال يهودي الديانة عراقي الجنسية اسمه ماركوس صمويل، حيث اكتشف أنه سيكون من الأفضل لو تم اختراع سفينة على شكل خزان كبير وشحنه بالنفط، بدلاً عن صداع تعبئته وحمله وشحنه في براميل، وبطء العملية. ونجحت الفكرة، وفي العام 1898 عبرت أول ناقلة نفط قناة السويس.