Atwasat

العلاقات الإثيوبية - المصرية والصراع على مياه النيل (1)

محمود محمد خلف السبت 27 يونيو 2020, 05:43 مساء
محمود محمد خلف

أولا: الوضع الحالي

إن المتتبع للصراع الإثيوبي - المصري على مياه النيل وتأثيره على التطور في العلاقات الإثيوبية - المصرية يستطيع الوصول إلى خلاصة مفادها بأن المستقبل القريب يُنذر بأفق مغيّم جداً بسبب إصرار رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد عليّ (من مواليد 1976) على المُضي في ملء خزان سدّ النهضة من مياه النيل، وتهديد منسوب مياه النيل على الأراضي الزراعية المصرية. فلقد حاول الرئيس المصري في الأشهر الماضية اتباع سياسة التعاون بين الدول الست الواقعة على النيل والمستفيدة عبر التاريخ من مياهه بشكل يحقق العدالة والحياة الفاضلة لشعوب النيل. ولكن اتضح أنّ هذه السياسة المصرية لم تكن مجدية مع تصلب الموقف الإثيوبي يوما بعد يوم.

وبالنظر إلى أن مصر استمرت حتى أمس في التفاوض مع إثيوبيا على مستوى وزراء الريّ، بلا جدوى، وبالنظر إلى عدم وجود وساطة دولية فاعلة بين البلدين تخفف التوتر وتقنع إثيوبيا بتغيير موقفها، وبالنظر إلى صعوبة ترتيب لقاء قمة بين الرئيس المصري والإثيوبي، فإنّ ضربةً جوية صاروخية مكثفة وخاطفة من البحر الأحمر أو من الأجواء السودانية تؤدي إلى هدم فوري للسدّ تهديماً كاملاً قد تكون هي القرار المصريّ القادم حتى تحافظ مصر على مصداقية إيمانها بعدالة الحقوق المصرية التاريخية الراسخة في مياه نهر النيل، وحتى تحافظ على المعنى الجوهري للأمن القومي المصري، وحتى تعطي درساً غير متوقع لرئيس الوزراء الإثيوبي الجلف الذي يتصرف ويتكلم وكأنه يملك نهر النيل.

ثانياً: الشكوى إلى مجلس الأمن:

تطرح الخارجية المصرية هذه الأيام تقديم «طلب» إلى مجلس الأمن حول تصورها للأزمة. بالرغم من أنه لا يوجد في التعامل الدولي اصطلاح «تقديم طلب إلى مجلس الأمن» إلا إذا كان المقصود به تقديم «شكوى» ضد السياسة الإثيوبية في مياه النيل.
ومهما يكن من أمر، فإنّ هذه الفكرة التى تسعى إليها الخارجية المصرية تواجه مجموعة من الإشكاليات. فأولا، سوف يمرّ الكثير من الوقت حتى يتمكن الوفد المصري من التنسيق مع أعضاء مجلس الأمن وحتى يمكن طرح الموضوع وصيغته. وكلاهما لن يمرا حسب التصور المصري بسبب الانقسام والصراع داخل مجلس الأمن هذه الفترة. ثانياً، أنه حتى لو صدر قرار من مجلس الأمن فإن إثيوبيا سوف لن ترضخ لتلبية بنوده أو أجزاء هامة من بنوده. ولن يكون مجلس الأمن بعد ذلك بقادر على اتخاذ إجراءات عملية لحمل إثيوبيا على تلبية بنود قرار المجلس بسبب حالة الانقسام بين الأعضاء الدائمين. ثالثا، أنه من المعروف أن لجوء مصر إلى الشكوى إلى مجلس الأمن بالرغم من كونها سعيا بالسلام لحل المسألة، إلا أن الشكوى علامة ضعف من الطرف المشتكي. وهذا سيعطي فكرة قوية للحكومة الإثيوبية بأن مصر لن تُقدم على أي خطوة عسكرية لضرب السدّ؛ وبالتالي سوف تتمادى في استغلال ضعف الموقف المصري.

على صانع القرار في مصر الآن عدم تضييع الوقت أو التردد في مواجهة التهديد الإثيوبي المباشر للأمن القومي المصري، خاصة وأن الشعب المصري يمكن أن يتساهل في أي شيء إلا مياه النيل. وليس من الحكمة الرضوخ للصلف الإثيوبي الذي تجاوز حدوده. القرار الحاسم الآن بيد القائد العام للقوات المصرية المسلحة وبصفة خاصة سلاح الطيران.

ثالثا: احتمالات المواجهة العسكرية

التطورات الأخيرة في علاقات مصر بإثيوبيا الأسبوعين الماضيين أخذت منحى خطيراً؛ لا يتجسد فقط في استمرار التهديد الإثيوبي الصريح من خلال التأكيد على حرية إثيوبيا في التصرف المطلق في الموضوع وتعبئة خزان النهضة دون استشارة أحد، بل وأيضا في تحوّل الكثير من التصريحات واتخاذها أشكالاً تحريضية أو استفزازية لمصر مما يؤكد أن التهديد الحقيقي للأمن القومي المصري أضحى حقيقة حيّة.
ونظرا لضيق الوقت واقتراب مرحلة تعبئة الخزان*، وبالنظر أيضا إلى بطء السياسة المصرية في الاستجابة الحركية في مواجهة التعنت الإثيوبي، واستمرار السياسة الخارجية في استخدام الدبلوماسية الناعمة التى رأينا أنها تسير إلى طريق مسدود، فإنني لا أستبعد أن تكون القيادة المصرية قد درست القرار البديل للسياسة الناعمة بقرار عسكري هجومي بتوجيه ضربات فجائية سريعة وقاصمة قادرة بشكل كاف على تهديم سدّ النهضة والمنشآت التابعة له من محطات توليد كهرباء ومنشآت خدمية مكملة.
كما لا أستبعد أن هناك تنسيقاً بين وزارتيْ الخارجية والدفاع وباقي بعض الوزارات والإدارات لتدارس القرار.
ولا شك أن مصر تُدرك أبعاد التهديدات الإثيوبية ونتائجها القريبة الأمد والبعيدة الأمد، وأن القيادة المصرية قد أعدت الخطة (ب). إن قرار ضرب السدّ من وجهة نظري ليس رمي صواريخ فحسب وليس فقط تدمير السدّ وتوابعه، وإنما هو قرار له ترتيباته وتقديراته وحساباته الدقيقة من جميع الجوانب التى تدركها القيادة المصرية، والتي تُشكل الظروف الموضوعية لنجاح الخطة (ب). فالعمل العسكري يواكبه تحرك سياسي نشط موجّه نحو الخارج، وتحرك إعلامي ونفسي للتعبئة الجماهيرية في الداخل. إن الكثيرين من المحللين بمن فيهم المصريون والعرب يتخوّفون من قرار «الضربة الصاروخية المباغتة» الذي قد تختاره القيادة المصرية. وهذا نابع من مخاوف أن ينجم عنها حرب إثيوبية - مصرية طويلة الأمد قد لا تخدم المصالح المصرية العليا. أما أنا فلا أذهب إلى هذا الرأي؛ وعندي العديد من التعليلات المختلفة.

وهذا ما سأتناوله في مواضيع قادمة.

(*) السبب العلمي هو لأن شهر 7 هو بداية موسم هطول الأمطار على هضبة الحبشة، والتي تشكل 80% من مياه نهر النيل، لذلك هي لا تريد تفويت الفترة المطيرة لهذا العام، بالإضافة إلى أن السنوات القادمة ستكون كميات الأمطار أقل الأمطار فوق هضبة الحبشة تمرّ بدورات بين غزارة وقلة مياه الأمطار.