Atwasat

الحذر من الأساليب الجديدة في تسويق الأخبار

عزالدين عبدالكريم الخميس 01 نوفمبر 2018, 06:25 مساء
عزالدين عبدالكريم

عندما نتعامل مع بائع حليب أو خضار أو حتى لحوم على سبيل المثال، فإن جملة من الخصائص تكون حاضرة عندنا بشكل تلقائي وعفوي، تضبط علاقتنا بهؤلاء الباعة لتقويم درجة مصداقيتهم بالمقارنة مع ما يبيعوننا إياه من منتج، وعلى ضوء معاملة هؤلاء، وانضباطهم معنا، وصفاء منتجاتهم من أي نوع من الفساد، تتشكل قرارات تلقائية أيضاً لتحديد مصائر العلاقات معهم، فإما تستمر وتقوى، وإما تخضع للمراقبة وتوقف نهائياً.

الفيسبوك.. والتويتر وغيرهما من المواقع، يشاع أنها تأسست للتواصل الاجتماعي كعرض الأنشطة والأفكار والرؤى وتبادل الآراء، دون ربطها بأي إلزام أو جزم أو فرض، لكن هذه المواقع انقلبت لتصبح منصات إخبارية مجانية للجميع، وصَدَّق كثيرون من أصحاب الصفحات وَهْمَ أنهم منصات إخبارية لغير ما يخصهم من أنشطة، وتولوا مهمة خدمة باقي الشعب في إبلاغه بالأخبار، لتصبح الصفحات وسائل إعلامية مستقلة يديرها أصحابها، لينشروا في كثير مما ينشرون ما هو أصلاً متداول من أخبار، وينقلونها ساعةً بساعة، وكأنهم الوحيدون في هذا الكون الفسيح من يقرأ المواقع الصحفية الإخبارية، أو يشاهدون محطات التلفزيون، وعندما يكون لي وقت لتصفح الفيسبوك من حين لآخر رغم أن التصفح اقترب من أن يصبح عادة أو حالة مرضية، يستوقفني نشاط البعض، فمن الصباح وحتى آخر الليل وهم نشطون لا يتوقفون عن النشر، نشر أي شيء، وكأن النشر في حد ذاته تحول إلى أكسجين يضمن لهم إثبات البقاء أحياء!!! والأنكى أن النشر وصل بالبعض إلى أن يصفون للآخرين سير مباريات كرة القدم، فيما إذا ارتدت كرة من عارضة، أو حصول فريق على هدف، ولا يتردد أن يعرب عن حماسه بكتابة «خششششششي»!!!! وأخال هؤلاء لديهم رغبة في نقل سعالهم (كحتهم) من حين لآخر، لولا صعوبة كتابة صوت السعال وأقترح هنا وإشباعاً لرغباتهم المكبوتة، كتابتها على هذا النحو «أهه.. أهه»...!!! ليتفاعل أحباؤهم بتعليق «طار الشر» مثلاً.

هذه حالة عندما تصبح عادة وليس مجرد أمر عارض قد يكون أحياناً «طريفاً» إنما تعكس بترسخها كبرنامج حياة في عمقها فراغاً قاتلاً وتشوشاَ متفاقماً، وفي المجمل خللاً ووضعاً نفسياً بحاجة إلى مراجعة طبيب، شريطة أن يكون الطبيب مبدعاً، ويمكن كمحاولة ذاتية أولاً، مراجعة الأمر بين الإنسان وذاته أولاً، فلعل في المراجعة يحصل الشفاء.

أخال هؤلاء لديهم رغبة في نقل سعالهم، لولا صعوبة كتابة صوت السعال وأقترح، كتابتها على هذا النحو «أهه.. أهه»...!!!

باختصار شديد ... وعلى قدر الإمكان، دون أن يضيع استكمال الفكرة:
تتداول صفحات البعض أخباراً مفصلية على مستوى التحركات السياسية، أو أحداثاً حاصلة أو يُدَّعى أنها كذلك، أو تسريبات بتوجهات لاتخاذ قرارات ما، وحتى حدوث كوارث إنسانية وأخلاقية، وتسري هذه الأخبار كالنار في الهشيم، فالمترصدون كُثر، والصحفيون يملؤون البلاد، وفي بعض الأخبار خدمة للبعض لإثبات سوء الآخرين، ويتخذون منها أدلة تضاف إلى كم الأدلة ضد كائن من كان، ويتطور الأمر لتقع الطامة الكبرى، إذ إن هذه الأخبار سرعان ما تتصدر العناوين الرئيسة في مواقع وقنوات تلفزيونية إخبارية، والمستغرب أن العقلية المجنونة التي تدفع إلى تصدرها من قِبل الزملاء، هي عقلية مضحكة تتلخص فيما يعتقدون أنه «سبق صحفي»، وفي سعيهم لأكذوبة السبق هذه، ينفخون في الأمر باتصالهم بمعنيين!!! ولكن..... بعد أن تهدأ العواصف على الصفحات والمواقع والقنوات، يُكتشف أن الأمر برمته محضُ افتراء، ويبلع الجميع الخيبة ويدارون الأمر وكأنهم لم يكونوا طرفاً في الافتراءات...
هذا التزييف واختراع الافتراءات، تجاوز مسألة الرغبات الفردية الضيقة في إحداث الشوشرة، إلى ما أعتقد وأقترب هنا من الجزم، لكنني لست متمسكاً به، إلى أنها مجتمعة وسائل قميئة تتلخص أهدافها في الآتي:

1- خلق شوشرة وحالة من لفت الانتباه لأمر، إما لتأجيج الكراهية ضد أحد، أو غض النظر عن كارثة تتم بهدوء.
2- قياس الرأي العام تجاه فعل توجد النية لاتخاذه أو تطبيقه «وهذا تكتيك قديم متعارف عليه».
3- تسويق الأفعال الشائنة من المتضررين من هذه الأفعال أنفسهم، وهنا يكمن شيء من الدهاء، حتى عندما تصبح القناعة سائدة بتعميمها وترسخها، يظهر هذا المتضرر وهو «المسوق نفسه»، لإثبات عدم صحة ما تداول وبالأدلة أحياناً، ليكسب بذلك نقاط تبرئة تتولد عفوياً عند المتلقي، وترتفع هنا أسهمه، ليستمر في نضاله الخفي غير المعلن.

الأخيرة هذه...... هي كارثة الكوارث، التي يجب الانتباه إليها، وما أقترحه، يكمن في استيعاب أن دلائل عدم صحة الافتراءات يجب ألا تخدعنا، لنسبغ على الآخرين صفة البراءة والنزاهة، ويكون حاضراً في أذهاننا، أن الافتراءات ليس بالضرورة مسوقة من أعداء هؤلاء المتضررين لتشويههم، لاحتمال كبير وكأسلوب مستورد، أن يكون من يظهرون على أنهم متضررون، هم في ذاتهم من يسوق لها، لكسب ما لا يستحقونه من تعاطف وتأييد...

تتداول صفحات البعض أخباراً مفصلية على مستوى التحركات السياسية، أو أحداثاً حاصلة أو يُدَّعى أنها كذلك، أو تسريبات

بما أن هذا التكتيك ليس إبداعاً ليبياً من منطلق أنه علمنا بأن المسؤولين عن ملف الإعلام في أعلى مؤسسات الدولة والمؤسسات التابعة لها يقوده أجانب وليس ليبيون، وذلك بشكل خفي وفي مراحل معينة على الأقل -وهذه فرصة لإنكار الأمر ولا أستغرب له، بل أنصح باستثماره كونه فرصة يجب ألا تُفوت- فإن جانباً آخر من أوجه ما يعتبرونه «فهلوة» أو بالمصري «حداقة» يكمن في تسويق حدث بصورة غاية في الضخامة، ليعلن لاحقاً أنه ليس بالكارثية المسوق لها، بل ما حصل إنما جاء بأقل فظاعة، ولأسباب تفرضها سياقات المحافظة على المصلحة، وهنا يتم ضرب عصفورين بحجر واحد:

الأول، تكذيب الصورة الكارثية، وإعطاء مشروعية لفعل أخف، وفوق ذلك يكتسب المشروعية من العامة كثمن طوعي لسوء الظن بادئ الأمر، رغم أن ذات الفعل لا يكتسب أي مشروعية في الأساس بل يخدم مستهدفات خاصة محلية أو دولية.

إن التريث ولا بأس حتى إيقاف إصدار الأحكام على كل ما يُسوق وعدم التفاعل والتعاطي معه، سيضعف اعتماد هكذا آليات، وبهذا يمكن سحب كمية من الأسلحة المستعملة دون أن نقوم بأي هجوم، فالعقل خلقه الله ليتولى أموراً كالتبين والتدبر والاستنباط، ويمكن أن يصبح دوره أكبر من أي سلاح فتاك.... فلنستعمله كلما كان ذلك ممكناً لنا كأفراد متلقين...

لعلكم تذكرون كم القرارات والرسائل الرسمية التي تظهر على الصفحات مسوقة لأمر ما، هو مستنكر لدى العامة، وبعد أيام تصدر البيانات من الجهات ذات العلاقة لتنفي وتعلن بأن الوثائق مزورة... حسناً... عنصر الزمن هنا أمر فاعل لصالح ما أذهب إليه، إذ إن الزمن بين الإعلان وبين النفي من مؤسسات الدولة، هو زمن طويل جداً، وكأن الدولة مركبة بهيكلية منفصلة على الواقع، لا تعلم ما الذي يدور في الشارع، ولأنني أعتقد بأنه لا انفصال على الواقع حتى دون هيكلية منظمة، فإن في الأمر «أمراً»، إذ من المفترض ألا يأخذ النفي أكثر من ساعات وليس أياماً وأحياناً أسابيع، خاصة وأن محتوى ما يُسوق يعد كارثياً في كثير من الأوقات...

الزملاء في المؤسسات الإعلامية، لعلكم تتساءلون وكيف نتعامل مع هكذا طرح، وهكذا تتدفق من على صفحات الفيس بوك؟؟؟ لست بالضرورة بأكثركم علماً أو معرفة أو أرجح عقلاً، ولعل الفارق بيننا -إن وجد- يتمثل في جزئية الحساسية المهنية والشعور بالمسؤولية مما يقود إلى الشعور بوجوب التعاطي مع التفاصيل بحذر، واللجوء الى صياغات غير مؤكدة، ولا تخسرون شيئاً لو ترفعتم عن الانجذاب وراء تيارات تقود نحو الضحالة، ولي ثقة في أنه بإمكانكم ابتداع أساليب متوازنة لتقليل المساهمة في تأصيل الزيف، والأهم أن تبقى هذه الأساليب خاضعة للتقويم والتطوير بشكل يومي... وليس في الأمر طلاسم.