Atwasat

ما أشبه الليلة بالبارحة

إبراهيم قدورة الثلاثاء 25 سبتمبر 2018, 10:27 صباحا
إبراهيم قدورة

هل تنتهي الأزمة الليبية على الطريقة اللبنانية أم لازلنا نتصومل لأعوام قادمة؟.

اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل عام 1975 وانتهت بعد اتفاق الطائف في 13 أكتوبرمن عام 1990 بين الأطراف المتناحرة. اُبتليَ وانتكب الشعب اللبناني ولمدة تجاوزت الخمسة عشر عاماً بمليشيات طائفية، وأخرى سياسية، وثالثة طائفية مسيسة، بين جيران لهم مصالح وأهداف تدميرية وأطماع متجذرة في الواقع اللبناني، لم يترددوا في اجتياح لبنان وتغذية الخلاف لمصالحهم المتناقضة، فمُزِّقت لبنان أبشع ممزق بطريقة كلفت الشعب اللبناني أكثر من 50 ألف قتيل، وأكثر من 100 ألف جريح ناهيك عن النزوح الذي تجاوزالمليون نازح هارب من ويلات الحرب المليشياوية.

الذي زاد من شراسة هذه الحرب هو انغماس سوريا وإسرائيل فيها، بالإضافة إلى تواجد التنظيمات الفلسطينية المسلحة في معسكرات ومخيمات على الأراضي اللبنانية، أما طبيعة المليشيات المتناحرة، والتي فاق عددها الخمسين في بعض الدراسات، كانت مسيحية وإسلامية سنية وشيعية وفلسطينية ودرزية، وفعلت السياسة فعلتها وأضيف البعد السياسي لهذه الطوائف وأصبحت مليشيات طائفية مناطقية مسيسة لها ارتباطات بقوى سياسية على مستوى دول في خارج لبنان. اللافت هنا أن المليشيات الصغيرة انتهت والكبيرة كبرت وتوغلت وتغولت ثم اتفقت في لقاء الطائف، وتَبِع الاتفاق أن أصدر البرلمان اللبناني إعفاءً على كل جرائم القتل التي حصلت منذ 1975م وحُلَّت كل المليشيات باستثناء حزب الله وتم بناء جيش لبناني التوجه بعيد عن الطائفية والتيارات السياسية. يجدر التنبيه هنا أن مساحة لبنان محدودة وبقدر حجم شعبها، كما أنها لا تمتلك حقولا وموانئ نفطية.

أما في الصومال فقد اندلعت الحرب الأهلية بعد تمكن المعارضة من إسقاط الدكتاتور اليساري محمد سياد بري في عام 1992م، حيث بدأ التنافس على السلطة، وأُنشئت حكومتان في شمال البلاد، ذاتيتي الحكم، من قبل القبائل والعشائر واُستُخدِم الدين في تكوين تشكيلات مسلحة وصلت إلى أكثر من 13 ميليشيا، صنعت ارتباطات مع تنظيمات متطرفة، فسقطت الحكومة المركزية وحلت الفوضى وأصبحت العشائر تُسيّر شؤون مناطق الصومال من خلال هذه الميليشيات، ويجب ألَّا يفوت هنا تأسيس الحكومة الوطنية الانتقالية عام 2000م، ثم الحكومة الاتحادية الانتقالية في 2004م ، ولم تتمكن هذه الحكومات من إيقاف القتال بين المليشيات، ثم جاء دور التدخل الخارجي من قوات حفظ السلام الإفريقية والقوات الكينية التي أخذت على عاتقها ملاحقة الميليشيات المتطرفة وتمكنت الصومال من إعادة تشكيل حكومة اتحادية انتقالية رغم أن ما يرد من الصومال يؤكد على هشاشة الحكومة وعدم توقف التناحر إلى الآن، بالإضافة لعدم تمكن الصومال من بناء جيش صومالي الانتماء والهوى.

ولكي نلج من الصومال لابد من التذكير أن الصومال تاريخيا قد اُستُعمِرت من فرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا التي سلمت إقليم اوجادين لأثيوبيا مما أصّل الصراع بين الصومال وأثيوبيا، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فقدت 18 جنديا أمريكيا، وشهد الأمريكيون جثة أحد الجنود الأمريكيين تُجَر في شوارع مقديشو فأمر الرئيس كلنتون بالانسحاب من الصومال. وشرعت الولايات المتحدة في استراتيجية جديدة، بعيدة عن التدخل المباشر، وقدمت أثيوبيا وكينيا وقوة السلام الأفريقية كأدوات لتطبيق ما تقره لدول القرن الأفريقي.
وبعبارات أخرى بعد سقوط دكتاتور تعددت المليشيات في الصومال وتأدلجت وتوغلت ومثّلت بالجندي الأمريكي في شوارع مقديشو فانخفض الاهتمام الدولي بالصومال وتركت لفقرها، وغاب الجيش النظامي وعجزت الحكومات وفشلت المحاولات الإقليمية في توحيد الصوماليين على كلمة سواء، هذه تجربة قاسية لازالت على قيد الحياة وليست بعيدة عن الأنظار.

أما في ليبيا بعد مرورنا على هذه السناريوهات، حيث أسقط دكتاتور غير مأسوف عليه، كان وراء انتشار السلاح ووأدَ المشاعر الوطنية في النفوس وأصبحت ليبيا ملاذاّ للمتطرفين والسُرّاق ولوردات الحرب، وتدخل المجتمع الدولى وفقدت أمريكا سفيرها، ومع ذلك لم تختفِ ليبيا من اهتمامات المجتمع الدولي فالبترول والجغرافيا والهجرة غير الشرعية والحاجة لاستقرارها لا يترك خيارا سوى أن تستقر كدولة مدنية ولابد أن يكون لها جيش نظامي يحمي ولا يحكم. فهل ستكون النهاية لأزمة ليبيا على الطريقة اللبنانية أم لازلنا نتصومل لأعوام قادمة؟.