Atwasat

قد تكون هي الحل

محمد عقيلة العمامي الثلاثاء 01 مارس 2016, 09:22 صباحا
محمد عقيلة العمامي

التقيتُ الصحفية (آن مارلو). كانت قد كتبت في مطلع شهر أغسطس2011 مقالا عن بنغازي نشر في عدد من الصحف العالمية، منها صحيفة (ويكلي ستاندرد) وقد ترجمته في حينه ونشرته بموقع ليبيا المستقبل يوم 12/9/2011، بعدما تحررت البلاد، وكان الناس فرحين، يتعانقون هنا وهناك، وكأنهم في عيد متنقل.

قالت لي: " لو أن اهتمام الناس بما سيعملون بعد انتهاء العيد بحجم فرحتهم هذه ستكون ليبيا جنة العصر الحديث" ولكن فرحة العيد أخذتنا، ولم نهتم بماذا سيحدث بعده؟ فغصنا في مستنقع حرب قذرة. فهل فكرنا، ونحن نحتفل في بنغازي هذه الأيام ماذا سنفعل بعد العيد، أم العيد سيتواصل مثلما تواصل بعد التحرير؟ فسُرقت بلادنا بالسلاح الذي دفع شهداؤنا أرواحهم مقابله؟.

تابعت طوال الأسبوع الماضي فرحة بنغازي، وأطالع ما يقوله المخلصون، وما يشكك فيه المشككون، أتابع التحذير من الفتن، وكذلك النصح بالتأسيس لمرحلة ما بعد تحرر بنغازي.

ولكن لا أُخفي عليكم خشيتي من مغبة ما يحدث بسبب الصراع الواضح ما بين الإسلام المؤدلج، والدولة المدنية المحمية بجيش قوي وشرطة وجهاز أمن. كلا الطرفين يريد السيطرة على مخرج ليبيا الوحيد وهو حكومة الوفاق، التي إن لم تقم سوف تتشرذم ليبيا وتتمزق.

واقع الحال يقول أنه من المكابرة فعلا ألاّ نقارن حالة ليبيا الآن، بما كانت عليه سنة 1951 وألاّ نعترف أنه ما من نظام يناسب ليبيا الآن أكثر من النظام الفيدرالي

المشكلة، إذن، صعبة ومعقدة، ولكن المنطق يقول لنا أن تجزئة أية مشكلة تساعد في حلها. وقد واجهت ليبيا سنة 1951 مشكلة كبيرة؛ تتلخص في أنها ثاني أفقر دولة في العالم، تحت نفوذ حكم ثلاثة مراكز متباعدة في مساحة شاسعة، ساهمت كلها في الحراك السياسي لنيل الاستقلال: كان الإنجليز في طرابلس، الفرنسيون في فزان، وإمارة برقة، التي يحكمها الأمير إدريس السنوسي.

زد إلى ذلك أن الليبيين لم يكونوا متجانسين تماما بسبب الثقافة واللهجات، ناهيك عن إحساس بعضهم بالدونية والتهميش.

وهذا ما جعلني أعود إلى مقال كتبه الدكتور محمد عبد اللطيف الهوني بمجلة المجلة يوم 15 مارس 2012 تحت عنوان فقدان الذاكرة وموضوعه ليبيا الفيدرالية بين فرض الأمر الواقع والتخوين.

كنت في الواقع أبحث عن السبب الذي جعل مؤسسي ليبيا الحديثة يتفقون على اختيار النظام الفيدرالي، الذي دعت إليه كتلة لا يستهان بحجمها يرون فيه حلا يحد بالتأكيد من شبح التقسيم الذي يلوح بين حين وآخر من بعد الزعزعة التي عصفت بفرحة الليبيين بعدما نجحوا في أول تجربة انتخابية غابت لأكثر من أربعة عقود.

ما كان يخطر على بال من كانوا يحتفلون بقيام دولتهم عبر صناديق الانتخابات، أن هناك من كان يخطط لإقامة دولتهم عبر صناديق الذخيرة. وسط ذهول الليبيين. تعالت صيحات غاضبة تهدد بالتقسيم، فلحقت بها سريعا دعوات أكثر عقلانية تطرح النظام الفيدرالي، فتعالت أصوات"فرض الأمر الواقع والتخوين".

لا أخفي عليكم عدم قناعتي حينها بهذا المقترح، ولكنه يبدو لي الآن أنه حل يبعدنا عن مشاكل ومطبات وعقبات قد تأخذنا بعيدا عن لمْ الشمل.

واقع الحال يقول أنه من المكابرة فعلا ألاّ نقارن حالة ليبيا الآن، بما كانت عليه سنة 1951 وألاّ نعترف أنه ما من نظام يناسب ليبيا الآن أكثر من النظام الفيدرالي، ولعلكم تعون جيدا استحالة قيام دولة برأس واحد وسط هذا التشرذم والتناحر والتخوين وعدم قبول الآخر. فدعونا نناقش أمرنا بهدوء، ومن دون أن نخدع أنفسنا :

1- من بعد 20 أغسطس 2011 بقليل أضاف الناس صفة الشقيقة على مدينة مصراته. كانت تعمل كولاية مستقلة. ثم تبعتها طرابلس بعدما أحكمت المليشيات المسلحة قبضتها عليها، وتحصنت الزنتان في الجبل الأشم، وحوصرت بنغازي لأكثر من عام ونصف ولا أعتقد أنه من المثمر التحدث بالتفصيل عما حدث وما زال يحدث لهذه المدينة، التي بطوال تاريخها تقدح الشرارة في وجه الطغاة، ثم تكون أول المتضررين من الحريق.

وفيما واصلت مدن الشرق العمل بكل جهد لفك الحصار على بنغازي، وتقريب وجهات النظر واحتضان البرلمان صار لليبيا في خلال ثلاث سنوات عدد من الولايات، أو الإمارات الجاهزة التي لا تحتاج إلاّ لدستور مستفتى عليه وهو قائم لم يلغه قانون وكل ما يحتاجه تعديل طفيف.

2- مازلت مساحة ليبيا كما هي وزاد عدد السكان واتضح للناس جليا أن هناك أعراقا ما كان الكثير منا يعرفها أنها من النسيج الليبي، ناهيك عن أن قواتهم وكثرتهم وحقهم في تأسيس كيان يجمعهم لا يمكن إغفاله، وانا أعني: الأمازيغ والطوارق والتبو.

3- من بمقدوره أن يقنعني أن بلادنا ليست محكومة بأكثر من ثلاثة قوى، مصراته لا تعترف بسلطة غير سلطتها المحلية، وطرابلس بميليشياتها المتعددة، جيدة التسليح، والدعم الخارجي، تتجاذب وتتنافر بحسب مصالحها وأهدافها، والزنتان والأمازيغ والجنوب الليبي بطوارقه وقبائل التبو المجاهدة، ناهيك عن الشرق بوضعه الحالي وبوضعه المستقبلي.

4- يمكن أن نكتفي بالعبارة التي تقول أن الليبيين ليسوا متجانسين تماما بسبب الثقافة واللهجات، وبضعة أشياء أخرى بانت خلال السنوات الماضية.

5- التهميش و ذلك ما تشتكي منه المدن كافة!

6- لا أعتقد أننا لا نعاني، وعلى الأقل سنعاني من شبح قلة الدخل، الذي بدأ يطل برأسه منبها على خطورته.

القادرين على حل المشكلة ومعالجة أسبابها، هم أهل المشكلة أنفسهم، بمعني أن لكل مدينة رجالها الذين يفهمون التفاصيل التي تغيب عن رجال المدن الأخرى

وهكذا، ألسنا في الحالة نفسها التي كنا فيها سنة 1951 وفرضت الحاجة إلى نظام فيدرالي لنتغلب به على مشاكلنا ويساعدنا في الخروج من كارثة التقسيم، الذي صار يلوح بجدية في الأفق بعبارات لم نسمعها من قبل، كتلك التي صنفت سكان بنغازي بأنهم أقلية ما بين وسط القبائل المحيطة بها، والتي لم تدعِّ يوما أن (مدينة) بنغازي التي قامت على سبخة الملح، والتي لم تكن يوما تصلح لا للزراعة ولا للرعي هي من أراضيها.

ولماذا أضع بين أيديكم ما أراه حلا للمشكلة الليبية، لأنني قلت أكثر من مرة أننا في حاجة ملحة وعاجلة وأساسية إلى رأب الصدع، وسرعة إصلاح تمزق النسيج الاجتماعي الليبي، بسبب الأيديولوجيات التي صارت واضحة، وإلى التصالح ما بين رجال عهد القذافي، والعهد الملكي، وبين رجال 17 فبراير بمختلف اتجاهاتهم، ذلك بالإضافة إلى المصالحة، و(المسامحة ) الوطنية.. والتصدي إلى شرور الثأر الذي يطل برأسه عند ناصية كل شارع.

ولا أعتقد أن أحدا يختلف معي أنه من العبث التفكير أنه هناك حكماء في العالم قادرون على تحقيق مصالحة من دون فهم لطبيعة المشكلة وطبيعة أطراف المشكلة، فلا السلوك ولا الثقافة ولا العرف متفق تماما ما بين عائلات تضررت من سنوات الحرب والتقاتل في بنغازي، فما بالك ما بين عائلات مدن متجاورة بامتداد ليبيا.

إن القادرين على حل المشكلة ومعالجة أسبابها، هم أهل المشكلة أنفسهم، بمعني أن لكل مدينة رجالها الذين يفهمون التفاصيل التي تغيب عن رجال المدن الأخرى، وهكذا يكون الشارع، ثم المدينة وصولا إلى الولاية من يقوم بأمر هذه المصالحة التي لن تقم دولة ليبيا من دونها.

الحل في الفيدرالية، التي لم تفشل أبدا في مختلف الدول التي تأسست من البداية على أساسها. وهي نظام ناجح حبذا لو صرنا أكثر من ثلاثة ولايات. "وحتحات على ما فات ".