Atwasat

نريد السلام !مسودة الإتفاق السياسي الليبى .. وجهة نظر

البدري محمد الشريف الخميس 11 يونيو 2015, 12:34 مساء
البدري محمد الشريف

من الصعب جدًّا في ظروف بلادنا الحالية أن تكون وسطيًّا، وسطيًّا في الدين أو وسطيًّا في السياسة! فقد أخذت حالة الاستقطاب مكمنها في مجتمعنا، وصرنا شعبًا شاكًا أو مشكوكًا فيه، مع أو ضد، ونسينا أنَّه أينما تولوا فثم وجه الله، وسيحاسبنا يومًا على وطن أضعناه.

لننظر إلى مُـسوَّدة الاتفاق بعين موضوعية ما لها وما عليها. بالطبع هي في حاجة إلى تمحيص وتدقيق لا من حيث مبادئها العامة في رأيي، ولكن من حيث بعض الجوانب القانونية، التي أبدتها بعض السيدات القانونيات، ومن حيث الجوانب السياسية، التي ربما تحتاج إلى إعادة نظر بهدف تمتين هذا الاتفاق وجعله يمتلك أدوات تنفيذه، قبل أن نطلق حكمنا على مُـسوَّدة الاتفاق، لنطرح على أنفسنا السؤال التالي: ماذا نريد من الاتفاق؟ لأنَّ هذا أمرٌ مهمٌّ يحدِّد لنا مدى ملاءمة هذه المُـسوَّدة مع الهدف الذي نريد.

سبب الغموض وسوء الفهم الذي يكتنف بعض بنود هذه المُـسوَّدة هو أنَّها تحاول التلميح دون التصريح بأنَّ الحلَّ يعني تقاسم السلطة

في رأيي أنَّ ما نريده من الاتفاق هو:
1- التوافق على انتهاج مبدأ الديمقراطية، وتأكيد التداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف، واحترام حقوق الإنسان.
2- نبذ خطاب الكراهية والعنف، ومكافحة الإرهاب.
3- إعادة بناء الثقة بين أبناء الوطن المتحاربين بينهم على وجه الخصوص.
4- تمهيد الأرضية لصنع السلام وتوفير الأمن والاستقرار.
5- تشكيل حكومة وطنية واحدة تتولى إدارة شؤون البلاد وتحافظ على وحدتها.
6- العمل على تأهيل وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وعلى وجه الخصوص الجيش وأجهزة الأمن والمؤسسات القضائية.
7- العمل على إعادة النازحين والمهجَّرين.
8- العمل على توفير المتطلبات العاجلة للمواطنين المتعلقة بأمورهم المعيشية، والصحية، والاجتماعية
9- التهيئة والتمهيد لدخول مرحلة الاستقرار الدائم بما في ذلك إنجاز الدستور، والاستفتاء عليه، وإعداد القوانين اللازمة للانتخابات النيابية والرئاسية.

الحقيقة أنَّ قراءة ما جاء بالمُـسوَّدة يلبي كل هذه المتطلبات، بل إنَّها ربما قد بالغت في وضع مبادئ تهم المستقبل، ولا تعني الفترة الانتقالية والمحدَّدة بسنة واحدة، وبعضها يدخل ضمن عمل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، ولو أنَّه يمكن النظر إليها بشكل إيجابي باعتبارها مبادئ توجيهية واسترشادية ولا ضير في ذلك. المُـسوَّدة وبدون شك أعطت دورًا لكل الأطراف المشارِكة في عملية الحوار، بما في ذلك المؤتمر الوطني. نعم أكدت على السلطة التشريعية لمجلس النواب المنتخب في يونيو 2014. ولكنها من جهة أخرى أعطت للمؤتمر الوطني دورًا كبيرًا في مجلس الدولة وجعلته يمثل 75% من عدد أعضائه.

مشارَكة كافة الأطراف في السلطة أثناء الفترة الانتقالية، وإعطاؤهم دورًا في تسيير هذه المرحلة، يضمن من جهة عدم العودة للصراع المسلح، ويحقق الاستقرار ويبعث الثقة بين مختلف الأطراف السياسية

أعتقد أنَّ سبب الغموض وسوء الفهم الذي يكتنف بعض بنود هذه المُـسوَّدة، هو أنَّها تحاول التلميح دون التصريح بأنَّ الحل يعني تقاسم السلطة، ولو بدرجات متفاوتة بين الأطراف المتنازعة، وتحديدًا بين المؤتمر الوطني ومجلس النواب.

صحيح أنَّها لا تعني إحياء المؤتمر الوطني، فمن يشارك في مجلس الدولة هم يمثلون 45 % فقط من عدد أعضائه، ولكنها مبنية على مبدأ تقاسم السلطة، وهو أمرٌ متعارفٌ عليه في حلِّ كافة النزاعات المسلحة.

علينا أنْ ندرك أنَّ مشارَكة كافة الأطراف في السلطة أثناء الفترة الانتقالية، وإعطاءهم دورًا في تسيير هذه المرحلة، يضمن من جهة عدم العودة للصراع المسلح، ويحقق الاستقرار ويبعث الثقة بين مختلف الأطراف السياسية المتصارعة، كما أنَّه يوفر المناخ الملائم لإجراء العملية الانتخابية واللازمة للانتقال لحالة الاستقرار الدائم.

من جهة أخرى، إذا ما رفضنا هذا المبدأ فما هو البديل؟ وهل نتوقع أنَّ الطرف الآخر المقابل لمجلس النواب يشارك في الحوار فقط لإعطاء الشرعية لمجلس النواب دون أي مقابل؟

أليس الواقع بأننا نعيش سلطتين لكل منهما جيشها، وبرلمانها وحكومتها، والمناطق التي تمارس عليها سلطتها مجازًا لا واقعًا؟ أليس الواقع بأننا نعيش حالة من الحرب الأهلية التي أنهكت بلادنا ودمَّرت مدننا وشردت شعبنا وأرهقته؟ أليس الواقع بأن الوضع الاقتصادي مهددٌ بالانهيار، وأنَّ المعاناة المعيشية بدأت تأخذ أبعادًا خطيرة، انعكست على سوء الخدمات الصحية والتعليمية والخدمية بشكل عام؟

أليس الواقع بأنَّه ليس في مقدور أي فريق أن يحسم الصراع لصالحه عسكريًّا، بل أننا وللأسف فتحنا المجال واسعًا لقوة ثالثة، وهي «داعش» لتأخذ موقعها على الأرض، وأننا في أشد الحاجة إلى جمع الصف وتكاتف الجهود من أجل وقف هذا الخطر الداهم.

الموضوع كله يتعلق بفترة انتقالية لا تزيد على سنة واحدة ! وإذا ما رُفض هذا الاتفاق فإننا سنواجه مخاطر أكبر بعد ثلاثة أشهر لانتهاء المدة القانونية لمجلس النواب وسندخل مرحلة فراغ دستوري!

بالطبع بعض بنود الاتفاق في حاجة إلى إعادة نظر, ومعالجة كثير من نقاط الاختلاف والوصول إلى توافقات حولها سيكون أكثر يسرًا إذا ما قبلنا بمبدأ تقاسم السلطة وتفهمنا أنَّه مبدأ أساسي لحل الصراع.

موضوع قيادة الجيش, وموضوع الحوار الوطني الذي أشارت إليه المُـسوَّدة كمرجعية يحتاج إلى تعريف وتحديد أدق, ومَن سيكون الضامن لهذا الاتفاق هل هو مجلس الأمن مثلاً؟ وغيرها من الأسئلة ستكون معالجتها ممكنة بالحوار المباشر بين الأطراف الليبية وليس عبر الوسطاء فهم المعنيون أولاً وأخيرًا بموضوع استقرار ليبيا والمحافظة عليها كدولة.

علينا التفكير مليًّا قبل أن نرفض كل حل! والحل يعني بعض التنازل ولا يعني انتصار طرف على آخر, فلا انتصار اليوم في ليبيا إلا انتصار السلام.