Atwasat

إنه مبدع ترنيمة فلسطينية

أحمد الفيتوري الثلاثاء 11 يونيو 2024, 12:55 مساء
أحمد الفيتوري

أثينا فيما مضى، محطة شباب ليبيا، جيلي جيل السبعينيات، خاصة بعد إغلاق القاهرة في وجهه إثر قطع العلاقات مع مصر بُعيد زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى الدولة اليهودية العنصرية، نوفمبر 1977م.

وكانت أثينا على المسافة نفسها، بين بنغازي وطرابلس، وبنغازي والقاهرة، وسعر التذكرة متاح جدًّا، فلا فرق كبيرًا، مع سعرها إلى طرابلس. ولمن لا يعرف، فإن أثينا الصغرى كانت هي قورينا، شحات الآن، بالجبل الأخضر بليبيا، وذلك قبل الميلاد بقرون عدة.

لم يخطر في البال أن ألتقيه، كنت صحفيًّا، سكرتير تحرير جريدة «الأسبوع الثقافي»، ما تُوزع حينها في أكشاك الصحف بأثينا، اشتريت نسخة من ميدان «أمونيا»، متجهًا دون وجهة. تظاهرة في المواجهة، شباب وشابات جميلات، من جذبنني للانخراط في التظاهرة، لم أكن أعرف ما يهتفون، فلا أعرف من اليونانية غير «سيقا سيقا»، ما رددتُ كثيرًا، وتعني على مهل. تمهلت لأفهم، ولم أنتبه للصور على الصدور الشامخة، لكن الوجه أليف ما في الصور.

عشية اليوم التقينا معًا: الصديق الليبي المقيم بأثينا، من كَنيتهُ بزوربا، صديقي يجيد اللغة اليونانية، ويعيش كيوناني أكثر من اليونانيين، لما ذكرت له مشاركتي اليوم في تظاهرة لا أعرف كنهها، فرح وألح أن نشارك غدًا، فالمظاهرة مليئة بالفتيات الجميلات،وعلمت منه أنها حملة لتأييد المرشح لعمادة بلدية أثينا، وأن موسيقارًا شهيرًا يدعى ميكيس ثيودوراكيس، من لم يكن يعني له أي شيء، صعق وقد أخذت ألح عليه بأني أريد مقابلته وإجراء حوار معه.

وهذا ما تحقق بيسر، لا يخطر على بال، فقد كنت عشية ذاك اليوم، رفقة صديقي غير المكترث إلا بجميلات مقر حملة ثيودوراكيس، ما وصلنا مقره لنستقبل من زوجته: امرأة جميلة ومهيبة، وببساطة التقتنا وسألت من أي مدينة ليبية، لما سمعت: بنغازي، قاطعت صارخة أوه بنغازي، لقد زرتها من سنوات قليلة في عمل، وفي مطارها؛ حيث وصلت في وقت متأخر من الليل، لم أجد أحدًا في استقبالي، جندي متهور تحرش بي، هاجمتهُ بقوة حتى كدت أضربه، لهذا زُج بي في زنزانة، لكن بعد قليل كان يعتذر ويطلب الصفح، حين وصل الضابط المسؤول مع من كان المفروض في استقبالي. صديقي علق ضاحكًا: الحقيقة يا سيدتي، أن جمالك، كان سيجعلني أفعل ما فعل الشرطي ساعة استقبلتنا، فضحكت وضحكنا معها.

كان المرشح مشغولًا جدًّا، لهذا أطل، سلم ورحب بنا، ثم اختفى، هكذا سيكون حاله، في اليومين اللذين رافقته فيهما، أثناء الحملة الانتخابية، التي أحيط فيها ثيودوراكيس، بآلاف من شابات وشباب. وحتى عندما دعانا لوجبة معه، كانت من سندوتشات «سفلاكي» اليونانية، وهي على أي حال سندوتشات «شاورمة».

قال لي: حزنت كثيرًا، عند إعلان وفاة جمال عبدالناصر، وعلى حسابي الشخصي، ذهبت ليلة الجنازة، بت في الشوارع مع الجماهير، وفي اليوم التالي رافقت الجنازة، وقد ألفت موسيقي: «ترنيمة عبدالناصر» 1970م. المعروف أنه عام 1982 ألف ترنيمة منظمة التحرير الفلسطينية، عقب احتلال الدولة الصهيونية لبيروت.

المفارقة بالنسبة لي كانت، أني أؤيد وأقدر مواقف ثيودوراكيس، كما أحب موسيقاه، وخاصة موقفه، حين وقف ضد الانقلاب العسكري في اليونان: «فترة الحكم العسكري، (1967-1973) أجبر ميكيس، على الاختباء من النظام، ودعا إلى مقاومة النظام الجديد، بعد يومين من الانقلاب. أوقف في 21 أغسطس 1967، ووضع تحت الإقامة الجبرية، ونفي بعدها مع عائلته إلى زاتونا، وهي قرية تقع في جبال الأركيدس، ومن ثم نقل إلى معسكر اعتقال، ونفي بعد ذلك إلى الخارج».

لكن لحظة قابلته، وأجريت حوارًا معه، وأهداني أسطواناته الجديدة بتوقيعه، كان مؤيدًا للعقيد معمر القذافي، الذي قاد انقلابًا عسكريًّا، مشابهًا لانقلاب اليونان. بيد أن الموسيقار ميكيس ثيودوراكيس، السياسي الشيوعي، ساعتها كان يرى أن الانقلاب العسكري في ليبيا، عمل وطني تحرّري، لمواجهة الإمبريالية الأمريكية. وأذكر أن أثينا كانت فلسطينية الهوى، وأنها كانت تتغنى بفلسطين، عندها الموسيقي تعنى زوربا والملحن ثيودراكس، من جعل الحرية نبراسه، والكفاح المسلح وسيلة التحرر، وله مع العرب، وروح الثقافة العربية، وشائج عميقة وشفافة، ومن هذا ففي الخاطر شيء منه، في لحظة كهذه، تفتقد فيها العضيد رفيق الطريق.

عدت إلى ليبيا وكان ذلك في عام 1978م، ما في نهايته زج بي في السجن بتهمة العمل على إسقاط النظام، كنت في أول العشرينيات من العمر، كنا اثني عشر من زملاء شعراء وكتاب قصة ومسرح، وحكم علينا بالإعدام المخفف للمؤبد، وفي السجن لم يخفت، ولا بعده، وحتى اليوم: أني أؤيد وأقدر، مواقف ثيودوراكيس، كما أحب موسيقاه.