Atwasat

أرض الميعاد

منصور بوشناف الخميس 12 أكتوبر 2023, 06:19 مساء
منصور بوشناف

بعيداً عن كل الشعارات والذرائع الدينية والعرقية، ظلت أرض الله لله، وظل البشر ينتشرون في مناكبها غزاة مستوطنين أو هاجين مشردين من شتات لشتات.

أرض الله كاملة ظلت أرضاً موعودة لكل أمة أياً كان عدها وعتادها، فما من قبيلة ولا أمة، وما من ديانة «إلا ما ندر» إلا وبشرت أبناءها أو أتباعها بأرض الله كاملة كأرض موعودة لهم.

أرض الميعاد ليست حلماً ولا خرافة تخص اليهود كما يروجون؛ بل هي حلم وخرافة كل الأمم والخرافات وحتى الأديان.

كانت التجمعات البشرية الأولى وهي تغادر حياة القطاف وتنتقل لمرحلة أخرى من رحلتها الملحمية على وجه الأرض قد ظلت تحن إلى «فردوس القطاف المفقود» حيث كانت الوفرة والقطوف الدانية وتحلم بالعودة إليه كأرض ميعاد أو فردوس مضيع.

لذا كانت الملاحم الكبيرة في تاريخ الإنسانية تصور غالباً رحلة العودة إلى تلك الأرض المفقودة أو البحث عن أرض جديدة موعودة اكتشافاً أو غزواً للاستيطان، أو حتى بالحج إليها.

أرض الميعاد تحولت إلى «مسقط رأس» ثم إلى وطن، وأيضاً إلى «فردوس مفقود». إن غادرناه نحلم به ونسعى للعودة إليه. إن رحلة يوليسس ليست إلا رحلة الإنسانية للعودة إلى الوطن، إلى «أرض الميعاد».

من بين الأديان السماوية تنفرد الديانة اليهودية بعقيدة «ديانة العرق الخاصة» التي تشترط رابطة الدم كي تكون يهودياً كاملاً، هذا الشرط سجن الديانة اليهودية في عرق محدد وأرض ميعاد واحدة ولم يجعل كالإسلام والمسيحية «أرض ميعاده» كل أرض الله ومعتنقوها تربطهم العقيدة وليس العرق أو الدم؛ لذا صار انتشار اليهودية في الأرض شتاتاً وجعل أرض الميعاد «جيتو» مغلقاً يرفض سكانه الاندماج في المجتمعات الأخرى، ينبذون الآخر المختلف عنهم «عرقاً» وليس ديناً فقط.

أرض الميعاد الإسلامية مثلاً للمسلمين بمختلف أعراقهم وكذا المسيحية؛ ولذا لا تتناقض مع دولة الأعراق المختلفة والديانات المختلفة وتقبل بها ولا تفرض على معتنقيها «جيتو» اجتماعياً؛ بل تنظم التعايش بين أطياف ومكونات مواطنيها وإن اختلفت أعراقهم ومعتقداتهم.

أرض الميعاد اليهودية التي أخذت عبر تاريخ طويل من الشتات والاضطهاد الذي عاناه اليهود شكل «جيتو» مغلق ومحرم على الآخر ويعيش رعب التهديد من الآخر، ولذا لم يؤسسوا دولة؛ بل أسسوا «جيتو» يعيش رعب الفناء على يد الآخر الذي طردوه من أرضه لبناء هذا «الجيتو» الذي لا مستقبل له إلا بالقضاء على هذا الآخر الفلسطيني، القضاء عليه ليس كهوية أو كدين فقط؛ بل بالإبادة بمعناها العرقي والديني. فليس بإمكانك أن تكون «يهودياً» حتى لو تهود دينك وثقافتك ما دام لا يجري دم أم يهودية في عروقك «حسب الدين اليهودي».

«خيار شمشون» العدمي، هو الخيار الإسرائيلي الثابت الذي يعرف أن «دليلة» الفلسطينية لن تتوقف عن نتف شعره خصلة خصلة وشعرة شعرة. حتى وإن واصلت «أمريكا» زرع هذا الشعر وحتى إن واصل أشقاء الفلسطينيين من العرب ريه بالزيوت..
الانتحار الجماعي خيار إسرائيل، رغم كل مظاهر التقدم والديمقراطية. إن سؤال هاملت الوجودي هو سؤال إسرائيل منذ تأسيسها «أكون أو لا أكون» الذي سيظل هاجسها الوجودي الذي عاشه اليهود قتلاً واضطهاداً عبر عصور شتاتهم الطويل، فأوروبا حاربتهم واضطهدتهم على نحو مريع، فقبل الهولوكست النازي وفي المرحلة «الماركنتلية» كما يعرفها علماء الاقتصاد حاربت أوروبا التاجر اليهودي وصورته كمرابٍ قذر مستغل يجب تصفيته من السوق.

نرى ذلك واضحاً وعالي النبرة في «تاجر بندقية» شكسبير و«يهودي مالطا» لكرستوفر مارلو وغيرها الكثير؛ بل وفي مستوطنات العقاب لكافكا، ولتكون الأندلس والمسلمون حاميهم وملاذهم.
«مذبحة جبل الموساد» التي تمت لليهود بأيدي اليهود تبدأ من فلسطين وتنتهي في فلسطين..