Atwasat

لقاء بين الملك إدريس والقذافي

عمر الكدي الإثنين 10 يوليو 2023, 01:41 مساء
عمر الكدي

كان الملك إدريس يتناول الشاي مع الملك محمد الخامس، والملك فيصل الأول ملك العراق، وشقيقه الملك عبدالله الأول ملك الأردن، والملك فيصل بن عبدالعزيز، عندما بلغه نبأ مقتل القذافي، فعاد على عجل إلى قصره، وتابع مع الملكة فاطمة وإبراهيم الشلحي، وحسين مازق ومحمود المنتصر، المناظر الفظيعة لنهاية القذافي قرب الحي الثاني بمدينة سرت، وقال للحاضرين «سأسعى للقائه ولو كان في الجحيم».

وبعد فترة قصيرة أبلغه أحد الملائكة الموافقة على طلبه، وقبل أن يختفي ليظهر حيث قبض على القذافي، اصطحب معه سندوتشات وزجاجة مياه وعلبا متنوعة من عصير الفواكه، وهو يدرك أن «الشهيد الصائم» لم يأكل شيئا منذ ثلاثة أيام، وعلم من الملائكة أن القذافي سيقضي ما تبقى من زمن حتى يوم القيامة في المكان نفسه. يسحبونه من أنبوب تصريف مياه الأمطار ليعذبه الثوار الغاضبون نفسهم، وبعد أن يقتلوه يجد نفسه مرة أخرى في الأنبوب نفسه وهكذا دواليك حتى قيام الساعة، فنظر الملك إلى السماء وهو يتمتم «اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه».

عندما وصل الملك إلى المكان وجد طاولة وكرسيين فوق الأنبوب الذي اختفى فيه القذافي، فرفع صوته ونادى عليه «اطلع يا معمر عليك الأمان»، وبعد طول انتظار خرج القذافي بشعره الأشعث، وبقايا دم لوثت ثيابه من جرح على جبينه، فطمأنه الملك ودعاه إلى الجلوس، وبعد تردد جلس القذافي دون أن يتعرف على الملك الذي عاد في العشرين من عمره، فسأله القذافي «من أنت ما عرفتكش»، فرد الملك «أنا إدريس المهدي السنوسي»، وعندها وقف القذافي وقال «جاي تتشمت؟».

فرد الملك «حاشا وكلا أنا لا أعرف الشماتة. جئتك لأعرف لماذا فعلت بشعبي ما فعلت؟، سلمت لك بلادا واعدة فحولتها إلى خراب، ألا تخجل من نفسك عندما تكون خاتمة حياتك بهذا الشكل؟».

فرد القذافي مكابرا «هذا مصير العظماء من القادة. أنا حولت بلادك إلى جماهيرية عظمى، وسلمت للشعب السلطة والثروة والسلاح»، فقال الملك «بطَّل مكابرة أنت لم تسلم لهم إلا السلاح وسيتقاتلون به إلى ولد الولد. لا تنسَ أنك في دار الحق، واجلس وارو ظمأك، حتى شواربك يابسة من العطش».

فجلس القذافي وشرب زجاجة الماء كاملة، ثم بدأ في التهام السندوتشات والفاكهة، وهو يتأمل الملك الشاب الذي ينظر إليه نظرة حانية، فرفع رأسه وقال «سامحني يا جلالة الملك. الأيام الأخيرة كانت قاسية لم تخطر في بالي يوما من الأيام».

فرد الملك «وشنو لزك على هذا. كنت ستموت قرير العين في فراشك بعد أن تورثها لمن بعدك»، فطأطأ القذافي وهو يقول «والله هذا اللي صار، أنا حاسدك أنك تركتها ولم تطالب بشيء ويبدو أن الله أنعم عليك حتى قبل يوم الحساب، أما أنا فسأقضي أضعاف أضعاف عمري وأنا في هذا المكان الحقير».

فقال الملك: «استغفر ربك فهو رؤوف رحيم، فقال القذافي: «هم خلوني نستغفر. يقتلونني من هنا وبعد شوي نلقى روحي في هذاك الطوبو وفرخ الحرام ينادي فيهم بوشفشوفة هنا بوشفشوفة هنا، فقال الملك وأين كتائبك المسلحة أين الجحافل أين اللجان الثورية أين الرفاق وأبناء الرفاق أين الأشبال والسواعد؟».

فقاطعه القذافي «كلهم أولاد حرام»، فرد الملك «لم أكن أتمنى لك هذه النهاية. تمنيت أن يقبض عليك وتقدم إلى محاكمة عادلة لتعرف الأجيال ما حدث في تاريخها حتى لا يتكرر مرة أخرى، ألم تحاكموا رجال العهد الملكي تلك المحاكمة المضحكة؟. رئيس المحكمة ضابط جاهل اسمه بشير هوادي، والمدعي العام ضابط آخر متهور اسمه عمر المحيشي، ولم تجدوا إلا وزيرا طلب من أحد البوابين أن يحضر له دجاجة محمرة إلى مكتبه، أما أنا فسلمت السيارة للسفارة الليبية وكل المبالغ التي منحتها لي الحكومة لصرفها على العلاج، واتصلت بالرئيس عبدالناصر وطلبت اللجوء إلى مصر فوافق على الفور.

فقال القذافي «شوف يا جلالة الملك أنا جعلت بلادك مشهورة في كل مكان، وأجليت القواعد العسكرية وطردت الطليان»، فقال الملك «القواعد كانت ستخرج بعد وقت قصير ولن نجدد الاتفاقية، ولكن إيجار القواعد قبل اكتشاف النفط هو الذي سمح لك وأمثالك بالذهاب إلى المدرسة. كانت ليبيا من أكثر دول العالم فقرا وتحايلنا للحصول على أي معونة. كنت أتعذب وأنا أرى شعبي فقيرا لا يجد بيتا حديثا يؤوي أفراده، ولا يجد التلاميذ مدرسة قريبة كان عليهم قطع عشرات الكيلومترات ليتعلموا».

يواصل الملك «راهنت على التعليم وتبرعت بقصري في بنغازي للجامعة، ومن بين أخطائي الكبيرة أنني سعيت لإنشاء الكلية العسكرية في بنغازي، لتتخرج منها حضرتك وتخطط للقيام بانقلابك المشؤوم.. هل تعلم أنني فرحت بانقلابكم وقلت لنفسي الحمد لله ربما سيعرف الشباب كيف يطورون البلد أفضل مني، ولكن ما حدث كان العكس، أنا هنا لست لمحاسبتك ولكن لمساعدة الناس للخروج من هذه الكارثة».

فقال القذافي «لن يخرجوا من هذه الكارثة. أنا صممت البلاد لتنهار بالكامل بعد اختفائي، وقلت لهم أكثر من مرة ستجدون بعدي البلاد رمادا»، فقال الملك «لا حول ولا قوة إلا بالله. والله حتى العدو ما يفعل كيفك. الجنرال بالبو بنى طرابلس وبنغازي في سبع سنوات من دون بترول، وأنت دمرت كل شيء خلال 42 سنة وعندك ما يكفي من بترول.. دول الخليج كانت صحراء لما كانت طرابلس عروس البحر المتوسط، شوف اليوم شنو صار!.

فقاطعه القذافي «أنا خليتلهم المجد والكرامة والانتصارات والعزة ليفخروا بها جيلا بعد جيل، فقال الملك لا خير فيك حيا وميتا»، وأشار إلى ملاك قربه فاختفى الملك، واختفت الطاولة والكرسيان، ووجد القذافي نفسه في الأنبوب والولد نفسه يصرخ «أهواه بوشفشوفة أهواه بوشفشوفة»، وعندما وصل الملك إلى قصره رفع يديه فدعا له بالرأفة واللطف، وفجأة وجد القذافي نفسه في قبره المجهول فتنهد تنهيدة طويلة وهو ينظر في الظلام قبل أن يغلق عينيه إلى الأبد.