Atwasat

(امّقطع) إندونيسي

محمد عقيلة العمامي الإثنين 10 يوليو 2023, 09:44 صباحا
محمد عقيلة العمامي

القوط الغربيون قبائل جرمانية سيطرت على شبه جزيرة أيبيريا، أو ما يعرف الآن بجنوب غرب فرنسا. حدث ذلك من بعد أن انفصلوا عن الإمبراطورية الرومانية الغربية. قويت شوكتهم حتى أنهم بقيادة ملكهم (ألاريك الأول)، نهبوا روّماً يوم 24/8/ 410 ميلادي. فكان ذلك السبب الرئيسي في سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية. لم يتوقف ملكهم (ألاريك) عند تدمير روما إلا بعد أن أحضر له أعيان روما الفدية التي طلبها وهي 1400 كيلوغرام من مسحوق الفلفل الحار! هذا المسحوق الأحمر الذي يلهب فم المرء، ويندر ألا يجده المرء في هذا الزمن بمطابخ العالم كافة؛ هو الذي كان وراء اكتشافات (فاسكو دا جاما، وماجيلان ) وهو الذي ذهب كولمبس ليحضره، فاكتشف أميركا. ولماذا أقول معلومات سمعتموها، بالتأكيد، من قبل؟

حسناً، لأنني انتبهت إلى أن معلبات أو (قراطيس) الصلصة التي ترفق مع (مكرونة الأندومي) أكثر بكثير من (القراطيس) كافة بما تحتوي من مواد غذائية تدخل بيوتنا كل يوم! ومن يشك في ذلك يترصد قراطيسه لمدة أسبوع واحد فقط. والسر ليس في المكرونة وليس في الصلصة ذاتها، وإنما في مكون بسيط من مكوناتها وهو (الكاري)، الذي تعود معرفتي له أول مرة عندما طلب صديق مستنير رافقني في سبعينيات القرن الماضي إلى بيروت وطلب (تشكين كاري) وكل الذي فهمته من طلبه، أنها وجبة دجاج- حينها لم نكن نسمي الدجاج فراخ!- وظللت أترقب هذا الكاري، معتقداً أنه مكرونة أو أرز! ولكن ما إن فتحت القرطاس حتى فاحت رائحة لم أشمها من قبل ودجاج فقط، ولم أجد هذا (الكازي) أعني الكاري، لأنني لم أكن أعرف أنه مجرد بهار مثل (كمون الحوت) الذي لن يجده لك أي عطار في مصر على سبيل المثال، إلا بعد أن تبعد عنه الحوت، فالكمون مجرد كمون في العالم كله، إلا في ليبيا خصصوه للسمك فقط!

وبهار (الكاري) تتكون معظم أنواعه من حوالي 15 بهاراً منها الزعفران الذي يعد أغلى تابل في العالم لأن إعداد نصف كيلو منه يحتاج إلى 75000 زهرة زعفران! والقرفة التي بسببها استعبد الهولنديون سكان جزيرة سيلان، وأعدموا كل من قطف القرفة وقشرها وباع عوداً منها!

بهار الكاري ابتكار هندي عمره 2500 سنة، استخدموه منذ أن قامت وازدهرت حضارتهم، المعروفة باسم (موهنجو- دارو) التي قامت على ضفاف نهر الهندوس، معاصرة للحضارتين المصرية والسومرية. ومنها انتشر (الكاري) في آسيا، حتى أصبح معروفاً ومستخدماً في العالم كله!

ما أود أن أقوله، هو أن الإنسان لم يعد يسيطر، إن لم أقل يستعمر أو يستعبد إنساناً آخر، بالسيف والبندقية ولا بالطائرات المسيرة، وإنما بقراطيس أنيقة صغيرة منها، على سبيل المثال،قرطاس منتشرـ ليس في ليبيا فقط، ولكن في العالم كله، بما في ذلك مصر والسودان، اللتين قرأت عنهما ذات مرة أنهما أهم، وأكبر، مخزنين للغذاء قي أفريقيا كافة. هذا القرطاس أنيق ملون وجميل واسمه (إندومي) ولمن لا يعرفه ما عليه سوى أن يبحث عن الكلمة في «جوجل»، الذي سوف يقول له أن: («اندو» مختصر لكلمة إندونيسيا، بينما المقطع الثاني «مي» يعني باللغة الإندونيسية الشَعرية. لذلك تعني الكلمة الكاملة «شَعرية إندونيسيا أو المعكرونة الإندونيسية») وبالطبع أهم عنصر في الوجبة هو قرطاس (الصوص) أو النكهة التي يتسيدها هذا (الكازي)، معذرة حرف الزين لا يزال متسلطاً على حرف (الراء)!

أحد أصدقائي، الليبيين، يبتاع في القاهرة تموينه الأسبوعي، من متاجر الجملة، أفادني أن السبب هو قرطاس (الأندومي) لأنه متوفر بالجملة في كراتين أنيقة وخفيفة! وعرفت منه أنه أصبح يأكله مع أطفاله، مؤكداً لي: «أن نكهة الصوص ذكرته بنكهة بذور (الحلبة) التي كانت أمهاتنا تضيفها إلى (المقطع) وأكد لي أنه يفكر في تصنيع (مقطع) بصلصة الحلبة، وبحسب علمي ومعرفتي الطويلة له، سوف يظل طويلاً يفكر، ولن يصل بتفكيره إلى مرحلة التنفيذ أبداً!».

كل الذي أريد قوله هو أن احتلال الشعوب أصبح يجري، الآن، من خلال الطاقة والغذاء، ومن يحول بينهما وبينها يأتيه «عمه والبلح»، وبالطبع ثمة وسائل كثيرة لوصول البلح منها المباريات الداخلية، لأنهم بدأوا يستفيدون من ثقافتنا الشعبية، التي تقول فيما تقول، مقولة خـالدة: «زيتنا (المستورد) في دقيقنا (المستورد) أيضا» ولأن الاستيراد قائم فـ (الأندومي) أسهل وأرخص، وتأكدوا أن ما قلته ليس إعلاناً مدفوع الثمن! وأنا معكم أعرف أن كل شيء في هذا الزمن جائز.