Atwasat

زلابية

محمد عقيلة العمامي الإثنين 19 يونيو 2023, 12:08 مساء
محمد عقيلة العمامي

وكأنني مستهدف بمواضيع مثل هذه المقالات التي تصادفني كثيرا، وتفرض عليّ مقارنتها بجدية وحدّةِ مقالاتنا العربية التي سبق أن أشرت إليها أكثر من مرة، وأبديت تعجبي من حدة مقالات العرب، ومثاليتها نحو الدين والدنيا، بينما تتسيد الصحف الغربية مواضيع بسيطة ومباشرة، وأحيانا مضحكة، حيث تتناول نواحي بسيطة للغاية من سلوكيات ومناشط البشر الغربيين التي تبدو، على الأقل بالنسبة لي، عجيبة، وأحيانا تافهة بالنسبة لنا نحن الشرقيين أو الجنوبيين، العرب تحديدا، وأحيانا لبعض الشماليين أيضا.

وبقدر جدية وحدّة المواضيع عندنا نحن الشرق أوسطيين، وأيضا وداعة ورقة وبساطة إخواننا الشرقيين الأقصين المأخوذين ببوذا وحكمته، تبدو لنا أن بساطة مواضيع الغربيين تتجاوز حد المعقول، على الأقل بالنسبة لنا.

لقد قرأت، الأسبوع الماضي، موضوعين، أحدهما عن «الزلابية»!، نعم هي تلك التى كانت من أساسيات حلويات جيلي خلال شهر رمضان. أما الموضوع الثاني فهو عن رواية قدر لها أن تصل لنهائيات جائزة أوروبية (أحتاج أن أعود لذلك المقال، حتى أنقل لكم اسمها). في حين أنه طيلة الشهر الماضي كانت المواضيع، خصوصا الليبية، لا تتحدث إلا عن مواضيع بالغة الجدية، والديمقراطية، والإنسانية والعجائبية.

يقول المقالي الغربي عن «الزلابية» أنها شكل من أشكال الخبز قبل أن تُكتشف الخميرة، وهي عبارة عن دقيق طُحن من الحبوب، وعُجن بالماء، وطهي إما فوق أحجار حامية أو قلي في زيت، أشكالها متعددة بمختلف تسمياتها من «بانكيك» أو «كريب»، وقد تُعد ملتوية أو متموجة أو متشابكة كالزلابية الليبية تماما. ويقول المقال إن احتفالات وسباقات متنوعة تقام للزلابية في العالم كله، تتركز على إعداد عجينها الذي يقلى في الزيت، ويحلى بالسكر أو العسل أو مربى أو أنواع لا تحصى من الحلويات، وقد تحشى عجينة الزلابية باللحوم أو الأجبان أو الدهنيات قبل قليها.

وتقام احتفالات الزلابية في أيام محددة بأوروبا، والهند والسند، وأمريكا، وأفريقيا، وفي سوق الجريد في بنغازي، وباب بحر، والقاهرة، وأم الغرانيق، وسبها، خصوصا خلال شهر رمضان، وصنع منها الطليان «بوريك» في سوق الترك بطرابلس.
وتجرى للزلابية مهرجانات وسباقات عجيبة واحتفالات بحسناوات يفزن بجوائز قيمة، ففي مدينة «أولني» القريبة من لندن يقول كاتب المقال أنه شاهد أشهر سباق زلابية في العالم بين حسنوات يرتدين المآزر التقليدية، ويصطففن أمام فندق «بول» الشهير، وكل واحدة تحمل مقلاتها وبها قطعة الزلابية التي أعدتها في بيتها، وعليها أن تقذفها في الهواء الطلق، وتلتقطها بالمقلاة مرات ومرات، وهي تجري لمسافة 280 مترا، وشاهد كيف أن الفائزة تسلمت جائزتها النقدية أمام حشد كبير يوم الثلاثاء، الذي يسبق «أربعاء الرماد»، وهو «أول أيام الصوم المسيحي»، ويرمز في التقاليد والعقيدة المسيحية إلى التوبة، حيث إنه في تلك الأيام يتوجب على المسيحيين الصوم، والتخلي عن أشياء يحبونها، ويستمر زمن الصوم المسيحي خمسين يومًا. وقد يكون انتشار الزلابية الرمضانية في ليبيا له علاقة بهذا الصيام. مقال مبهج ومسلٍ وخفيف، بعيدا عن مهرجانات ومقالات «إحنا للسيف» ونسائم الحرية وتداعيات الديمقراطية. أما المقال الثاني، وهو أيضا يندر أن تقرأ مثله في المنشورات العربية، فإنه عن رواية تتأسس من ثلاث عشرة قصة ساخرة قصيرة، وتبين ثلاث عشرة طريقة ينظر بها الناس لفتاة «دبدوبة سميِّنة»، كتبتها روائية كندية من أصول عربية، اسمها منى عوض. والقصص ساخرة في مجملها هي التي تنظر بها «إليزابيث»، بطلة الرواية، لكل مرحلة من مراحل مراهقتها، وهي بالتأكيد مرحلة اهتمام أي «دبدوبة» بجسدها، وهي تعطينا 13 لحظة متأسسة من معركتها المتصلة مع نفسها وجسدها ونفسها وعقلها، فعبر تواصل فقدان وزنها يتأسس لديها التفكير المضطرب، الذي يصل أحيانا حد الوسواس. والقصص كافة، باستثناء اثنتين، تسرد من وجهة نظر «إليزابيث» هذا البناء القصصي الذي يناسب الرواية ككل؛ لأن تقديم الروائية على هذا النحو، بدلا من قصة واحدة متصلة، يوضح للقارئ استكشاف الذوات المختلفة التي تعيشها «إليزابيث» طيلة رحلتها بتنوع أصوات الرواة، سواء أكانوا رجالًا أم نساء، أو بتجليات راوية «إليزابيث» العديدة والمتنوعة، مبرزة رؤية الكاتبة الدقيقة للعلاقة بين الفتاة البدينة ومن يحيطون بها: والدتها، وعشاقها، وأصدقاؤها المقربون، وزملاء العمل، والجيران، وكذلك الغرباء. إنه تصوير دقيق وبارع يبين كيفية انسياب علاقة المرأة المتأزمة بين الحب والكراهية والإعجاب والغيرة والرحمة والمنافسة.

منى عوض روائية كندية، وكاتبة قصة قصيرة، تميزت بأعمالها الساخرة، والخيال الهزلي، ورشحت روايتها هذه في القائمة القصيرة لجائزة معروفة في كندا، وتحصلت على جائزة أفضل روايات إحدى مؤسسات النشر العالمية، وهى تبلغ من العمر 44 عامًا، وتعيش في مونتريال بكندا، وتخرجت في جامعة براون، وأيضا في جامعة يورك، وصدرت لها ثلاث روايات بأسلوبها المتميز الساخر.

بالتأكيد، سوف تنتبه يا أخي القارئ (الليبي) الكريم إلى سبب انتقائي تناول هذين الموضوعين لو فقط قارنت بين عنوانيهما وعناوين مقالاتنا، الجادة جدا، من أي يوم تنتقيه، مما يصدر في بلادنا العجيبة.