Atwasat

اللعنة على الديمقراطية

محمد الترهوني الثلاثاء 18 فبراير 2014, 01:49 مساء
محمد الترهوني

الجميع يراقب الانتصار الساحر الهش للديمقراطية ، ويراقب عدم قدرتنا على الاستمتاع بها كفن جماعي للعيش، في مجتمعات لا تفرق بين التلاعب بالسياسة، والتلاعب بالحقيقة الديمقراطية تصبح فن العيش على أساس النزاع والضرورة، الإنسان النصف جائع، الذي لا يمارس أقل حقوقه، الذي شعر بشكل مدهش أنه بعد الانتصار على الدكتاتورية لم يحصل على حريته، الإنسان الخائف على زوجته و أطفاله، على أهله وأصدقاءه، الذي لم يتعلم أن يأخذ متى عليه أن يأخذ، ويعطي متى توجب عليه أن يعطي، هذا الإنسان يسيء حسن ضيافة الديمقراطية، لا أحد يريد تكوين رواية مغرضة عن الديمقراطية.

إن الناس توسلوا في هذه الكلمة الآلة التي ستغير حياتهم إلى الأفضل، لكن الديمقراطية لا تضمن وصول الجيدين إلى السلطة، الديمقراطية في البلدان العربية لعبة وحشية وغير مسلية على الإطلاق، ووصل الأمر بها أن تجعل من في السلطة والموطن يائسين على حد سواء، وما قام الناس بأعند مطالبة به وهو الديمقراطية، خلق حياة بلا معالم و لا أسلوب، حياة يعيشها الإنسان بلا معرفة حقيقة بنتائج فورة الديمقراطية التخريبية، من المستحيل اليوم أن نجد أي نقاط مشتركة بين الديمقراطية التي فكرنا فيها، والديمقراطية التي تفرض نفسها علينا الآن، المواطن الطيب ينظر إلى هذه الديمقراطية كخطاطة لا توقيع عليها، أو بمعنى آخر " كلام فارغ "، مجرد كلمة متسلطة بلا أي مضمون واضح، لم تكن هذه الكلمة محل نقاش، لم يناقش أحد شروط وجودها، لم يفكر أحد في إضفاء بعض المقاربة الواقعية لوجود هذه الكلمة في حياتنا، الديمقراطية تصبح لعنة عندما تكون نتاج شفتين وليس نتاج ذهنية عامة.

أنا وكل مواطن يحب هذا الوطن نريد أن نسأل الديمقراطية عن كل ضحايا الرصاص، حوادث السير، المخدرات، الخطف، الاغتصاب، وقد يظن البعض أني لا أفهم الفرق بين فكرة الديمقراطية ومن يمارس الديمقراطية، والحقيقة أنا أكتب هذه الكلمات لأني أعرف هذا الفرق جيدا، وأعرف أيضا أنك يمكن أن تطالب بالديمقراطية، لكن لا يمكن أن تطالب بما هو ضد الديمقراطية، عندما تشيح بوجهها عنا وتقول أنتم السبب في كل هذا البؤس الذي يحدث.

أنا أرفض الديمقراطية كأمل أعمى وفارغ، ككلمة لا تضمنها قيمة ما في المجتمع، وتصنع حياة كلها تناقضات وعذاب، جذر هذه الكلمة في مجتمعاتنا لين، ويتم اقتلاعه كل يوم من جذوره، اللعنة على الديمقراطية عندما تكون نشاطا مزيفا، اللعنة على الديمقراطية عندما يخونها التعبير عن المواطن الكادح، وتتكلم بلسان أبطال يجهلون أنفسهم وواقعهم، اللعنة على الديمقراطية عندما لا تكون مسألة تفوق وطن، بل تفوقا شخصيا، اللعنة على الديمقراطية عندما تكون مجرد يقين ساذج لا يجد ما يبرهن عليه في المجتمع.