Atwasat

ليبيا وتونس حقائق الأرض والعمى الإرادي!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 04 يناير 2022, 12:59 مساء
أحمد الفيتوري

آه، الدول الصغرى. في إطار هذه الحميمية الدافئة، كلنا يحسد الآخر، كلنا يراقب الآخر.
• ميلان كونديرا*

لعبة الطفولة المبكرة، ما مارست بسهولة ومحبة، تدعى عندنا "حلت وتحل"، حيث يقوم طفل منا، بإغماض عينيه، بوضع وجهه على مرفقيه، ثم يوجهه الى الحائط، معطيا بظهره لزملائه في اللعبة، ليتيح لهم الاختباء، وعليه بعد ذاك البحث عنهم، إن نجح في هكذا مهمة، بالكشف عن أحدهم، المقبوض عليه، يحل محل القابض، في البحث عن المختبئين.

لعبة العمى الإرادي هذه، قد تحدث عند البالغين، حين يذهب أحدهم، إلى الهروب، من حالة قاهرة، حتى يصاب بالعمى، لكن الكشف الطبي، يوكد أن المريض، ليس لديه أي مشكل فسيولوجي، لكن مصابه سيكولوجي، فالظرف القاهر: حقائق الأرض، حولت العمى الإرادي، إلى مرض، كي لا يرى ما يرى.

هكذا بلدان كليبيا وتونس أصابهما العمي الإرادي، بخصوص رؤية أحدهما الآخر، وعن رؤية حقائق الأرض، ما فيها تداخل الجغرافيا والتاريخ، ثم أثر الآني، وفعله في كل منهما، نتيجة التداخل الحاصل ذاك، مع معطيات الآن وهنا. حيث البلدان، بينهما معطيات قاهرة، فمقاربات لا محالة، أن تفعل وتتفاعل، في كليهما من كليهما.

ما يحدث في تونس اليوم، وما يحدث في ليبيا اليوم، بينهما وشائج لم تؤخذ في الحسبان، مبعثه الإصابة بالعمى الإرادي، عن حقائق الأرض، واليوم هو مستقبل أمس كما هو معروف. عند قيام ثورة الياسمين التونسية 2011م، ما أصاب عدواها مصر متخطيا ليبيا، انتشرت حالة من السخرية والتهكم، بين الليبيين، كالنار في الهشيم، مفادها أن يطلب، الليبي من الليبي الآخر، أن ينحني، كي يرى الرجال، في غرب البلاد ثم شرقها، حيث لا رجال في ليبيا.

عبرت هذه الصيغة التهكمية، عن حقائق الأرض، المعطيات والمقاربات، معطيات الأثر فمقاربات التأثير. ففي هذه اللحظة الاستثنائية، تحولت تونس إلى النموذج، حتى درجة الأسطرة واللاعقلانية، عند الليبيين بالذات، وعند كافة العرب، وحتى عند، كل من اهتم بـ "الربيع العربي". لكن ما إن أفصحت، ثورات الربيع العربي، عن حقائق الأرض، حتى أصاب القوم العمى الإرادي، فلم يعد أي طرف، يريد أن يرى ما يرى.

الليبيون، من حقائق ربيعهم، قد أنتجت الحرب الأهلية، هاجر كثير من مسئوليها، وكذا السفراء الأجانب والمنظمات الدولية والإقليمية، بالمسألة الليبية إلى تونس، من فيها وحتى بقية الليبيين، أعطوا جميعا، المسألة التونسية بالظهر. ومنهم من تمترس وراء عماه: الأسطرة، والموقف اللاعقلاني، من المسألة التونسية. أما بالنسبة إلى تونس، فالمسألة الليبية وحربها الأهلية، يمكن التذكير هنا فيما يخصهما، بالتصريح الذي أدلى به، الرئيس المعمر الباجي قائد السبسي، حينما علق على الحرب الأهلية، الدائرة آنذاك في شرق ليبيا، بأن ما يدور في مدينة درنة، مسألة لا تخصنا؟. ومن المعلوم، أن المدينة الليبية درنة، تقع شرق الحدود التونسية، بحوالي 1300 كلم، فيما هي أقرب للحدود المصرية، 500 كلم تقريبا.

هذه الإزاحة، تذكر بدس النعامة لرأسها في التراب، أو دس مواطني البلدين، روؤسهم في الفيس بوك، ما بات جهينة صاحب الخبر اليقين، بعد الربيع العربي. ومن جهتي كتبت: إن ما يحدث في ليبيا، من حرب أهلية ساخنة، يحدث في تونس، بما أسميته الحرب الأهلية الباردة، وأن العلاقة بين الحربين جدلية. وأن ما دعي، حرب الإرهاب في البلدين، دفعا إليه غصبا، مما عرف بحرب الإرهاب الدولية، بقيادة الولايات المتحدة. لكن المهمة التونسية، تزويد الحرب بالرجال، وحتى النساء، فيما المهمة الليبية، توفير الأرض/ الساحة، والإمكانيات. لقد تحقق التكامل بين البلدين، في وجه سافر، فكان الأثر والتأثير مستفحلين، فيما النظر مستفحل به العمى الإرادي.

هنا في هذه المقالة، أتناول حقائق الأرض، ما مؤشراتها كثيرة ورائجة، خاصة في المجالين الاقتصادي والسياسي، ثم الجوسياسي، حتى درجة المقاربة الدولية والإقليمية، مثلا للمسألة الليبية، تتخذ من تونس القاعدة، ما وصل، بعد عقد لقاءات سرية ومخابراتية، إلى ترويج، أخبار عن تهريب سلاح.

وفي مواجهة ما حدث ويحدث، كان السبيل الهروب إلى الأمام، واستبعاد حقيقة، أن كل داخل له خارج، والعكس صحيح. فتونس كما ليبيا، كل منهما خارج وداخل، في نفس الوقت، للأخرى. وكل منهما، نخرها سوس الخارج، بعد أن تورطا في أن للمسألة، وجها واحدا قبيحا: أن المسألة الليبية ليبية وحسب مثلا، فكانت التفاصيل أليمة، ملعب الشيطان. وفي الاثناء هذه، كانت الأموال الليبية والتونسية!، تُحشى في أكياس بنوك دولية، وتخاض حروب بالوكالة، ساخنة وباردة، لأجل مصالح ونفوذ دولي، ولحلِّ مسائل بعيدة عويصة، في إيران أو أوكرانيا أو غيرهما كأفريقيا، ما قد يكون ساعى البريد فيها، عثمانيا أو عربيا، جارا قربا أو جارا بعيدا.

هكذا لعبة: الحلّ فيها اللاحل، عند أصحاب النفوذ والمصالح، فواقع الحال عندهم خير حال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• – الطفل المنبوذ- ميلان كونديرا - ترجمة رانية خلاف – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة- الطبعة الاولي 1998م.