Atwasat

حفتر وفزاعة الأزلام

محمد الطاهر الحفيان الثلاثاء 27 مايو 2014, 12:31 مساء
محمد الطاهر الحفيان

يمر الوضع في ليبيا بمرحلة حرجة ودقيقة ازدادت فيها حالة الاستقطاب حدة بفعل تراكم الأخطاء المتعمدة، خاصة تلك التي تستهدف لي عنق "الشرعية" وترويضها وتجاهل مشكلة التطرف المسلح والاغتيالات المُنظَّمة ضد أفراد الجيش والشرطة، إضافة إلى تعدد مراكز القوى "المنتصرة" وانتشار السلاح والفساد، إلى غير ذلك من المساوئ.

تعددت لدينا وقائع لامبالاة "ولاة الأمر" ومن بين أبسطها تفريطهم المريب في 53 مليون دينار إضافة إلى 12.800 مليون دولار وخمسة ملايين يورو تعرَّضت للسطو في سرت من قبل جماعة متشددة، حيث أُسدلت الستارة على هذه الجريمة بعد محاولات علاجها بالتفاوض والتهديد الأجوف، ولا حسيب ولا رقيب.

قلب بروز خليفة حفتر والتفاف الكثير حوله الأوضاع رأسًا على عقب، وزاد من حدة الاستقطاب درجة اقتراب قوات وميليشيات الطرفين من خطوط التماس داخل مدينتي بنغازي وطرابلس.

أصبح حفتر في وقت قياسي أحد اللاعبين المهمين على الساحة الليبية بفعل أعدائه من "ولاة الأمر" وأنصارهم الذين يصرون على عدم رؤية الواقع المأساوي في بنغازي وفي درنة وفي سرت، وفي عموم البلاد، بنفيهم وجود ظاهرة للإرهاب على الرغم من أن خطرها تجاوز الرقعة الترابية الليبية، وساهمت في تأجيج النزاعات في العمق الأفريقي، كما أججت حدة العنف الدموي في سورية بالرجال والعتاد، ولولا مثل هذه السياسات التي تتجاهل أبسط قواعد المنطق لظل حفتر ضابطًا متقاعدًا لا يلتفت إليه أحدٌ.

بعد أن صعد نجم حفتر على أخطاء السلطة "الوصية" في المؤتمر وفي مفاصل الدولة الحيوية ارتفع صراخ هؤلاء وتباكيهم على "الشرعية" التي كانوا أول مَن مرَّغ أنفها في التراب ووجَّه إلى صدرها البنادق والمدافع المضادة للطائرات، ناهيك عن إصرار بعضهم على استعراض عدم احترامه لراية هذه "الشرعية"؛ والأدهى أن هؤلاء بدل أن تُزيل هذه الأحداث الجسام الغشاوة عن عيونهم وعقولهم راحوا يكيلون التهم لـ"الأزلام" في كل ما يجري.

مَن أراد حماية الشرعية عليه أن يرفع أولاً نعليه من فوقها، ومَن يرغب -صادقًا- في تلافي عودة الديكتاتورية العسكرية، عليه أن يجتهد لحرمانها من الأسباب التي تدفع الناس إلى احتضانها، وأولها انعدام الأمن وانتشار فرق مسلحة بقيادة كل مَن هب ودب من سقط المتاع.

إذا أردتم أن تقطعوا الطريق على حفتر بأقصر السبل وأسلمها، فعليكم بتصحيح الأخطاء وإعادة هيبة الدولة ونبذ الإقصاء والانتقام وحل كل التشكيلات العسكرية الرديفة الموالية لكم ولغيركم واعتبار كل مخالف خارجًا عن الشرعية كان من كان، والشروع فورًا في تشكيل جيش عصري صغير الحجم مُزوَّد بأحدث التقنيات عوض الآلاف العاطلة والمعطلة.

تلك ليست حلولاً عبقرية، بل هي بديهيات يعرفها الجميع، وهي ليست مستحيلة، إذا خلصت النية وتوفرت الإرادة، خاصة أن السواد الأعظم من سكان ليبيا معها من دون تحفظ.

من أراد أن يقطع الطريق أمام الانقلابات العسكرية بزعامة حفتر أو غيره، عليه أن يعيد الأمن والأمان إلى الناس، خاصة أفراد الجيش والشرطة ورجال القضاء، وأن ينهي حالة التشرذم والعداوة بين المدن والقبائل بالعدالة وتفعيل القوانين وأن يرسخ مفاهيم المواطنة لا الانتقام والإقصاء والتخوين.

هذه الأسس بطبيعة الحال تحتاج إقامتها كما يجب إلى جيل خالٍ من العقد، لكن من المهم أن نبدأ الآن. فكثيرٌ من الوقت أضعناه، والآتي هو أيضًا يمكن أن نبذره في اجترار الأخطاء وتبادل الاتهامات وصولاً إلى الحرب وتبادل صواريخ الراجمات داخل المدن المكتظة بالسكان.

تقع المسؤولية الأخلاقية في تصحيح هذا الانحدار السريع نحو الهاوية على فئة صغيرة من أصحاب القرار، إلا أن عواقب بقاء الوضع على ما هو عليه ستعود بالوبال على الجميع، فلن تنجح الحرب على "غنيمة" السلطة بين الأطراف القبلية والجهوية والأيديولوجية المدججة بالأسلحة إلا في فتح أبواب الجحيم وضياع أي أثر للكرامة.