الهواء جاف وحار في دوشانبي. لكن الشمس بالكاد تشرق في سماء المدينة، إذ تتعرض عاصمة طاجيكستان، المغطاة بحجاب رمادي، لعاصفة رملية جديدة، وهي ظاهرة تتزايد حدتها في جميع أنحاء آسيا الوسطى.

لم تعد الجبال المهيبة المحيطة بالمدينة مرئية تقريباً، ولم يعد يمكن رؤية سوى ظلال القليل من المباني قيد الإنشاء من خلال السحابة التي تشكلت بفعل العاصفة الرملية والترابية، حسب وكالة «فرانس برس».

وهذه الظاهرة الجوية تأخذ منحى تصاعدياً منذ سنوات، ولا سبب للاعتقاد بأن الوضع سيتحسن. وأثبت العلماء أنه مع الاحترار المناخي ستزداد الأحداث المتطرفة (عواصف، وجفاف، وحرائق، وما إلى ذلك) في الكوكب بأكمله.

وتشهد عيادة صوفيا في دوشانبي تدفق المرضى، إذ إن هذه الجسيمات التي تحملها العاصفة الرملية والترابية لها ضرر صحي حتمي. ففي العام 2022، دخلت طاجيكستان ضمن قائمة الدول العشر الأكثر تلوثاً للهواء، حسب شركة مراقبة جودة الهواء «آي كيو إير» IQAir.

وتشتكي منيرة خوشكاداموفا في أثناء الاستشارة الطبية، قائلة: «لم أعد أتحمل السعال. لقد سئمت من هذا الغبار الذي يخنقني». وتعاني هذه المدرّسة (43 عاماً) فشلا في الجهاز التنفسي منذ عامين، وهو التشخيص الذي أجراه الطبيب فيصل صخرائي، الذي صرح لـ«فرانس برس»: «في السنوات الأخيرة، أعالج عدداً متزايداً من المرضى الذين يعانون أمراض القلب والأوعية الدموية»، مشيراً إلى الجزيئات الدقيقة التي تنقلها العواصف الرملية والترابية.

تزايد هبوب العواصف الرملية
وشرح صخرائي للوكالة أن «الجسيمات الدقيقة الأكبر تدخل الجسم، وتترسب في الجهاز التنفسي العلوي، بينما تخترق تلك الأصغر الجهاز التنفسي السفلي، ثم إلى الرئتين والقلب والأعضاء الأخرى».

وبحسب الأمم المتحدة، يتعرض 80% من سكان طاجيكستان لأعلى مستويات تركيزات للجزيئات الناعمة الدقيقة بقطر 2.5 ميليمتر (بي إم 2.5).

وبينما أوصي صخرائي بشرب الكثير من الماء ووضع الكمامة، فإن عدد الأشخاص الذين يغطون وجوههم لا يتخطى عدد أصابع اليد الواحدة في شوارع دوشانبي، على الرغم من الهواء الفاسد.

ومع المعاناة من «صعوبة التنفس» و«الصداع» اللذين تشكو منهما، ترفض الطبيبة النفسية نيغورا يوسوبوفا وضع كمامة، لأن ذلك «يعيق تنفسها»، حسب قولها.

وكانت هذه الظاهرة نادرة الحدوث، ولكنها تبدأ الآن في الربيع وتستمر حتى أواخر الخريف، مما يؤثر على معظم أنحاء آسيا الوسطى.

-سقوط أبراج كهرباء في أوباري جراء عواصف رملية شديدة
-عواصف رملية تجتاح أستراليا المنكوبة جراء الحرائق

وقالت مديرة الفرع الطاجيكي للمركز الإقليمي للبيئة في آسيا الوسطى (كاريك)، زيبونيسو مومنزودا: «في التسعينات، كانت هناك ظاهرتان أو ثلاث ظواهر لعواصف رملية ترابية سنوياً في طاجيكستان. أما الآن فهناك ما يصل إلى 35 ظاهرة». وتعمل هذه المنظمة شبه الحكومية في دول المنطقة الخمس (كازاخستان - قرغيزستان - أوزبكستان - طاجيكستان - تركمانستان).

كارثة بيئية تؤدي إلى أخرى

وتابعت مومنزودا: «بسبب تغير المناخ، تؤدي فترات الجفاف الطويلة إلى تكوين العواصف الرملية والترابية، وتجفيف التربة، ثم تؤدي الرياح المتكررة إلى رفع هذه التربة». وتتشكل هذه العواصف بشكل خاص في القاع الجاف لبحر «آرال» في أوزبكستان، ولكنها تأتي أيضاً من السهوب الكازاخستانية أو من أفغانستان المجاورة. وشددت مومنزودا على التأثير المدمر للعامل البشري، مع قطع الغابات والري غير الرشيد وتربية الماشية على مدى السنة، مما يؤدي إلى تدهور التربة.

وثمة حلقة مفرغة في هذا البلد الفقير والريفي بشكل رئيسي، حيث تؤثر العواصف الرملية الترابية سلبيا على المحاصيل الزراعية وخصوبة التربة، والأسوأ من ذلك هو أن الغبار والرمال المتراكمة على الأنهار الجليدية، وهي مصدر مهم للمياه في منطقة بدأت تفتقر إليها، يسرعان ذوبانها، وفق مومنزودا.

وإذا كانت العلاقات بين دول آسيا الوسطى تسجل توترات بانتظام، فإنها مع ذلك تحاول الآن تنسيق جهودها بشأن القضايا البيئية مثل إدارة المياه وتنظيف النفايات النووية.

لكن التهديد الذي تشكله العواصف الرملية والترابية في طاجيكستان لا يزال غير مدروس جيداً ككارثة طبيعية، بحسب «كاريك».