Atwasat

تقرير فرنسي: كارثة درنة.. إخفاق دولة «مزقها الفساد» وعلى الناجين التكيف مع الصدمة

الجزائر - بوابة الوسط: عبدالرحمن أميني السبت 13 يناير 2024, 09:40 صباحا
WTV_Frequency

سلطت العاصفة «دانيال»، التي ضربت مدينة درنة ليلة 11 سبتمبر الماضي، الضوء على إخفاقات الدولة التي مزقها الفساد، مع سقوط الآلاف من القتلى والدمار الكبير بعد انهيار سدي المدينة بسبب سوء عمليات الصيانة، وفق تقرير فرنسي.

وقال موقع «أوريان 21» الفرنسي في تقرير الثلاثاء: «كانت ليلة 11 سبتمبر 2023 ليلة مأساوية أغرقت مدينة درنة الساحلية جزئيا تحت عدة أمتار من المياه. وخلافا لتوقعات السلطات، فإن الماء لم يأت من البحر، بل من مياه السد الذي يقع على بُعد نحو 15 كيلومترا أعلى منبع وادي درنة، ولم يتمكن من الصمود في وجه العاصفة دانيال، والأمطار الغزيرة التي هطلت على المنطقة».

آلاف لقوا حتفهم في لحظة
ولقي عدة آلاف من الأشخاص حتفهم في لحظة واحدة، حيث جرفتهم الأمواج العاتية، أو سحقتهم المباني المنهارة أو الحطام المتناثر، وغرق آخرون في البحر، بينما بقي آخرون عالقين تحت الأنقاض قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة.

وقال التقرير الفرنسي، الذي أعده الباحث في إدارة الكوارث والمخاطر الطبيعية ديفيد فاو، إن ما لا يقل عن 30 ألف ناجٍ اضطروا إلى مغادرة منازلهم بحثا عن مأوى أكثر أمانا. ومن جهته، أرسل المجتمع الدولي طائرات محملة بالمعدات وفرق الإنقاذ. لكن، وبسرعة كبيرة، جرى تجاوز هذا الحدث بصمت، وأصبحت المنطقة مغلقة أمام الصحفيين.

ـ مكتب النائب العام يعلن نتائج التحقيقات في كارثة درنة
ـ شاهد في «تغطية خاصة»:‎ كارثة درنة.. في حضن الفساد وتحت مجهر القضاء|
ـ من درنة إلى غزة والذاكرة الليبية الفلسطينية
ـ كاريكاتير حليم - انطلاق مشارع إعادة إعمار درنة

ويعود تاريخ بناء سدين على وادي درنة بين عامي 1973 و1977 في عهد الرئيس المخلوع معمر القدافي، وأوكلت إدارة المشروع إلى شركة يوغوسلافية نيابة عن وزارة الزراعة. وبحسب موقع الشركة الصربي الآن، فإن أكبر السدود سمي «أبو منصور»، نسبة إلى نبع، ويبلغ ارتفاعه 75 مترا، وسعته التخزينية 18 مليون م3. والثاني يسمى «البلاد»، ويبلغ ارتفاعه 45 مترا، وسعة تخزينه 1.5 مليون م3. وبالإضافة إلى هذين السدين، نص العقد على إنشاء البنية التحتية (مضخات، وخزانات، وطرق، وجسور)، بهدف ري المناطق الزراعية، وتلبية الطلب المائي للمدينة.

نقاط الضعف التي كشفتها الشركات الأوروبية
ومع تآكل الهياكل الطينية والكتل الحجرية المتراكمة، وغياب الصيانة المنتظمة، كشفت عمليات التدقيق التي أجرتها الشركات السويسرية والإيطالية على السدود نقاط ضعف هيكلية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي 2007، تقاضت مجموعة «أرسيل» التركية المسؤولة عن تنفيذ أعمال إعادة التأهيل 30 مليون دولار (27.39 مليون يورو)، وهو ما يمكن أن يعطي فكرة عن حجم الضرر، وأيضا عن الفساد في ظل النظام القديم.

ووفق التقرير، فإن درنة «معروفة منذ الاستعمار الإيطالي بأنها مليئة بالمقاومين، وبعدها كانت معقل الإسلاميين بعد أن غادروا بين عامي 1980 و2010 إلى أفغانستان أو العراق ـ أحياناً بمباركة من معمر القذافي ـ وجرى إعدام بعضهم في العام 1996 خلال مذبحة سجن أبو سليم، ومعظم المعتقلين من درنة، ثم عانت المدينة العقاب الجماعي من القذافي، ووجدت نفسها بعد ذلك مهملة تماما من قِبل طرابلس».

- للاطلاع على العدد 425 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

 أحداث الثورة وأثرها على المدينة
ويمكن اعتبار ذلك أحد أسباب عدم صيانة السدود. وبفضل تقاليدها القوية المناهضة للسلطة، كانت درنة واحدة من أولى المدن التي انتفضت ضد القذافي. وعليه غادرت شركة «أرسيل» دون إجراء أي إصلاحات حقيقية، وجرى نهب المعدات، وهو ما دفع الشركة التركية إلى المطالبة بتعويضات قدرت بملايين الدولارات. وزادت الفترة التي أعقبت الثورة من تراجع مستوى المدينة، وجرى تأجيل أعمال إعادة التأهيل باستمرار.

ثم وقعت درنة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وشهدت المدينة حصارا دام ثلاث سنوات مع عدة عمليات قصف جوي، قبل أن تخضع لسيطرة المشير خليفة حفتر، وجيشه الوطني الليبي في العام 2018. وأدت الأضرار المرتبطة بالحرب إلى إضعاف وتفكيك المدينة التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة.
وفي 2018، عين ابن شقيق مسؤول كبير بشرق ليبيا في منصب عمدة مدينة درنة. واعتبر التقرير أن «الفساد والمحسوبية يلتهمان الدعم المالي للتنمية والإصلاحات، بما في ذلك السدود». لكن السكان أصبحوا يدركون الاختلاسات التي تجرى على حسابهم. كما تشهد على ذلك القصيدة التحذيرية لمصطفى الطرابلسي، التي ألقاها قبل أقل من أسبوع من المأساة.

وأثار المصدر مسألة انعدام الثقة تجاه السلطات بشكل كامل، إذ لم يكتفوا بالاستيلاء على المال العام، بل تمكنوا أيضا من عدم ضمان الحد الأدنى من التنظيم، فلم يجرى وضع أي خطة أمنية أو إدارة أزمات أو أنظمة إنذار مبكر أو صفارات الإنذار.

أحداث العاصفة دانيال بدءا من 9 سبتمبر 2023
في هذا السياق من الانحطاط الحضري والاجتماعي، ضربت العاصفة «دانيال» الساحل الليبي، وبدأت في التشكل بشرق البحر الأبيض المتوسط في 5 سبتمبر، لتصل إلى جنوب شرق البلقان وشمال غرب تركيا أولاً. وتسببت الفيضانات الناجمة عن ذلك في مقتل ما يقرب من 16 شخصًا وأضرار بـ5 مليارات يورو في اليونان، المتضررة بشدة.

وواصلت «دانيال» مسارها بشكل أكثر كثافة، مع رياح تبلغ سرعتها 85 كم/ساعة. وبعد عبورها البحر الأبيض المتوسط جنوب غرب اليونان، وصل العاصفة إلى الأراضي الأفريقية عبر بنغازي في 10 سبتمبر.

وبدءا من 9 سبتمبر، صدرت أوامر بإخلاء مناطق معينة من واجهة درنة البحرية تحسبا لحدوث أمواج قوية، لكن انعدام الثقة ساد، وواجه الأمر صعوبة في التنفيذ.
وخلال يوم 10 سبتمبر، جرى تطهير الشوارع، وفتح مسارات تصريف المياه، خاصة من قِبل الكشافة. وفي تناقض تام مع أمر الإخلاء، فرضت البلدية حظر تجوال بين الساعة 7 مساءً و8 صباحًا، لتسهيل عمل خدمات الطوارئ.

ويشتد هطول الأمطار على الجبل الأخضر، حيث تسجل محطة أرصاد البيضاء أكثر من 400 ملم من الأمطار خلال 24 ساعة، ويبدأ خزان سد أبو منصور في الامتلاء، وجرى التنبيه من قِبل الحارس الوحيد الموجود في ذلك الوقت. وعلى الرغم من ذلك، نشرت السلطات رسالة على «فيسبوك» لطمأنة السكان بأن السد في حالة جيدة. والساعة 1:12 صباح الاثنين 11 سبتمبر، يؤدي الفائض إلى إضعاف الهيكل بأكمله، ويتسبب في انهيار سد «أبو منصور»، بينما السد الثاني ينفجر تحت الضغط.

إعادة الإعمار وعودة الخلافات مجددا
ويؤدي الفائض إلى خسائر بشرية فظيعة، حيث تأكد مقتل ما لا يقل عن 4000 شخص وأكثر من 8000 شخص في عداد المفقودين، وهذا يتجاوز إعصار «هايان»، أحد أقوى الأعاصير التي جرى قياسها على الإطلاق، الذي تسبب في وفاة 6000 شخص في الفلبين العام 2013.

ومنذ وقوع الكارثة، كان على الناجين أيضا أن يتعلموا كيفية التعامل مع أعراض الإجهاد اللاحق للصدمة، خاصة أن المراكز المتخصصة في علاج الأمراض النفسية غير مهيأة لاستيعاب هذا العدد الكبير من المرضى.

في المقابل، عاد التقرير الفرنسي إلى 1 و2 نوفمبر الماضي حين عقد مؤتمر يضم 260 شركة من نحو عشر دول في بنغازي، لمناقشة إعادة إعمار المدينة، وسرعان ما تعود الخلافات إلى الظهور. وجرى تعيين أحد أبناء المشير حفتر، بلقاسم، رئيسا لصندوق إعادة إعمار درنة بميزانية عشرة مليارات دينار، أي ما يقرب من ملياري يورو، وإبرام أول العقود مع شركات مصرية.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
الفقي من روما: سببان يؤججان تدفق المهاجرين على تونس والجزائر وليبيا
الفقي من روما: سببان يؤججان تدفق المهاجرين على تونس والجزائر ...
الجزائر: اتفاق مع ليبيا وتونس على توحيد المواقف تجاه الهجرة
الجزائر: اتفاق مع ليبيا وتونس على توحيد المواقف تجاه الهجرة
قناة «الوسط» تناقش الليلة.. فرص القطاع المصرفي بتنمية الاقتصاد
قناة «الوسط» تناقش الليلة.. فرص القطاع المصرفي بتنمية الاقتصاد
«مراسلون بلا حدود»: ليبيا بؤرة سوداء على المستوى الإعلامي.. والصحفيون بين خيارين
«مراسلون بلا حدود»: ليبيا بؤرة سوداء على المستوى الإعلامي.. ...
باتيلي يودع السفير الروسي ويناقشان سبل تجاوز الانقسام في ليبيا
باتيلي يودع السفير الروسي ويناقشان سبل تجاوز الانقسام في ليبيا
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم