Atwasat

تحقيق استقصائي يرصد تصاعد نفوذ «المركزي» وكيف غذى الانقسام السياسي الفساد في ليبيا؟

القاهرة - بوابة الوسط: ترجمة هبة هشام الأربعاء 08 نوفمبر 2023, 03:53 مساء
WTV_Frequency

رجَّح تحقيق استقصائي أجرته منظمة «ذا سنتري» أن يكون من الصعب مكافحة أنشطة غسيل الأموال في ليبيا، بسبب الانقسام السياسي والمؤسسي الذي أثر سلبًا على القطاع المصرفي، مشيرًا إلى الحجم الضخم للأموال التي يجري تداولها في الأسواق السوداء بعيدًا عن النظام المصرفي الرسمي.

ولفت تحقيق المنظمة المعنية بمكافحة الفساد، إلى أن النظام المصرفي في ليبيا يعاني نقاط ضعف مستمرة، وهو ما يفسر حجم السوق السوداء، حيث تتحرك كميات ضخمة من النقد بين السوق السوداء والمصارف الرسمية، ما يقوض تدابير مكافحة غسيل الأموال.

التعتيم وغياب المعلومات في شرق ليبيا
وتنتعش الأنشطة غير القانونية في ليبيا في جزء منها بسبب الطبيعة المختلة للقطاع المصرفي، الذي لا تزال الدولة تهيمن عليه. في الواقع، لا يمكن فهم الآليات التي تستخدمها الطبقة الحاكمة الفاسدة دون النظر إلى كيفية ارتباطهم بالهياكل الاقتصادية والمالية، والتقسيمات الإدارية بين شرق ليبيا وغربها التي ظهرت بعد العام 2014.

وسلط التحقيق الضوء على التعتيم الإضافي في منطقة الشرق، الذي يعوق الوصول إلى المعلومات الكافية، كما يصعب من كشف الأنشطة غير المشروعة المزدهرة هناك، مشيرًا إلى غياب أي تقارير لديوان المحاسبة صادرة من الشرق مقارنة بالتقارير الصادرة بانتظام عن ديوان المحاسبة في طرابلس.

ويظل من الصعب مكافحة غسيل الأموال في ليبيا دون معالجة الانقسام السياسي والمؤسسي الذي قسَّم القطاع المصرفي في البلاد منذ العام 2014 إلى شرق وغرب.

«مصرف ليبيا المركزي أصبح مركزا حاسما للسلطة السياسية»
وجاء في التحقيق أن «مصرف ليبيا المركزي أصبح في حد ذاته مركزًا حاسمًا للسلطة السياسية، إذ يحدد من يتلقى أموال الدولة، وأسهم في شكل مباشر وغير مباشر في تنمية الاقتصادات في شرق وغرب البلاد منذ العام 2011، ما يجسد تضاربا رئيسيًا حيث تنتعش المصالح المتنافسة».

وفي بعض الأحيان، يجري تقاسم الامتيازات الاقتصادية بين الفصائل السياسية المتنافسة ضمنيًا من قبل المصرف المركزي في طرابلس والذي يقوده الصديق الكبير منذ تعيينه في العام 2011.

التحقيق يشير كذلك إلى تدهور الضوابط والتوازنات المتعلقة بإدارة الدخل وسبل الإنفاق، مضيفًا أن غياب الميزانية المعتمدة حول وزارات المالية والتخطيط والاقتصاد إلى سلطة شبه مستقلة.

خبير اقتصادي عن بيانات «المركزي»: تمويل الحكومتين وراء فجوة النقد الأجنبي.. والاعتمادات المستندية تحتاج مزيد «الشفافية»
«فلوسنا»: ما سبب تزايد عدد القضايا المرفوعة على الدولة الليبية؟

تنامي نفوذ المصرف المركزي
ومنذ العام 2015 فصاعدًا، تولت مجموعة من المسؤولين على رأس مصرف ليبيا المركزي في طرابلس تحديد أوجه الإنفاق التي طلبتها الحكومتان المتنافستان في طرابلس وفي المنطقة الشرقية. وتحول المصرف المركزي إلى مركز حكم قوي، مما يجعل من الصعب على المسؤولين الحكوميين تخطيط السياسة الاقتصادية.

وبالرغم من المساعي المتعددة؛ فإنه لم تنجح حتى الآن أي محاولة ذات معنى لإعادة توحيد المصرف المركزي. وأسهمت الخلافات بين الحكومتين في الشرق والغرب، والتنافس مع فرعي المصرف المركزي في تقويض المناقشات بشأن الموازنة العامة.

ولا تقتصر سلطة المصرف المركزي على القطاع العام؛ بل بات يملك سلطة التأثير في القطاع الخاص، وتحديد نجاح وفشل الفاعلين فيه، عبر تحديد إمكانية وصول الأعمال إلى التمويل التجاري.

والمصرف المركزي هو المساهم الأكبر في البنكين الخارجيين اللذين يتعاملان مع نسبة كبيرة من التمويل التجاري الليبي: المؤسسة العربية المصرفية، ومقرها البحرين، والبنك التجاري العربي البريطاني، ومقره بريطانيا.

انضم الصديق الكبير إلى مجلس إدارة المؤسسة العربية المصرفية في ديسمبر 2011، ليصبح أول من تولى رئاسة المصرف المركزي ورئيس مجلس إدارة المجموعة المصرفية الخاصة في  الوقت نفسه. وحصل الكبير على 142 ألف دولار في العام 2022 كأجر نظير مشاركته في مجلس الإدارة.

كيف أسهم ضعف القطاع المصرفي في انتعاش «الكلِبتوقراطية»؟
ووجد التحقيق أن نقاط الصعف التي تشوب القطاع المصرفي ترجع في جزء منها إلى سياسات الاستقطاب المستمرة منذ العام 2014، وهي مستمرة إلى الآن لدورها في تسهيل الآليات التي تعتمد عليها النخبة الحاكمة الفاسدة، أو ما عرفه التحقيق بـ«الكلبتوقراطية».

ويساعد الانقسام المستمر في النظام المصرفي الممارسات غير المشروعة والسوق السوداء، كما يمكِّن الأطراف المستفيدة من استغلال نفوذها من أجل منع العودة إلى الوضع الطبيعي. ويدرك المسؤولون في النظام المصرفي أنه سيكون من السهل جدًا استبدالهم إذا أرادوا تطبيق الإصلاحات الهيكلية التي تزداد الحاجة إليها في القطاع المصرفي، ولهذا يجري تحفيزهم للاكتفاء بإدارة النظام المعطل بدلًا من إصلاحه.

ويقول التحقيق إن «عائلة قائد القيادة العامة، المشير خليفة حفتر، فرضت سلطتها على المؤسسات الاقتصادية والمالية في الشرق، ما يثير مخاوف بشأن الهشاشة الممنهجة لتلك المؤسسات، والانتهاكات المحتملة لموارد الدولة».

وأضاف: «بين العامين 2014 – 2020، أسهم النفوذ العسكري لحفتر في إقناع المصارف التجارية في الشرق لدعم الأجسام التابعة للقيادة العامة للجيش، بما في ذلك بنك التجارة والتنمية الذي يرأسه جمال عبدالمالك. بل وتمادى حفتر والتابعون له في ضمان الولاء السياسي للمصرفيين الرئيسيين والماليين في شرق ليبيا، وجرى إسناد بعض الوظائف ذات المهام المالية الحيوية إلى مقربين من دائرة حفتر وعائلته».

ديوان المحاسبة يرصد 7 معوقات واجهت قطاع النفط خلال السنوات العشر الماضية
ديوان المحاسبة يرصد 19 مخالفة في نفقات وزارة الخارجية بحكومة الدبيبة خلال 2022

تطور السوق السوداء في ليبيا
وتتبع التحقيق مراحل تطور السوق السوداء في ليبيا التي نضجت لتتحول إلى منصة واسعة الانتشار يمكن من خلالها تحويل كميات كبيرة من الدينار إلى دولارات، وتداول كميات كبيرة من العملات بأمان ودون ترك أي أثر. علاوة على ذلك، ترتبط السوق السوداء في ليبيا بنظيراتها في دول أخرى، مثل الإمارات وتركيا وسورية ولبنان.

وتطورت آليات السوق السوداء التي تتيح الإثراء الشخصي بالتزامن مع توسُّع السوق السوداء خلال العقد الماضي. وبين العامين 2013 و2016، على وجه الخصوص، أدى الإغلاق النفطي في الشرق إلى انخفاض كبير في العائدات الدولارية من النفط والغاز، مما خلق أزمة ثقة كبيرة في النظام المصرفي الرسمي.

وتأثر النظام المصرفي بأكمله، وانخفضت قيمة الدينار في السوق السوداء، في حين ظل سعر الصرف الرسمي دون تغيير. ومكن هامش الفارق بين سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي، والذي استمر حتى أواخر العام 2018 من تحقيق أرباح هائلة، لا سيما عبر خطابات الاعتماد.

 وبالرغم من تعديل سعر الصرف الرسمي في العام 2020؛ فإن الاعتمادات المحلية واصلت في خلق فوائد مالية حيوية للفصائل المتنافسة، باعتبارها الشريان الوحيد للوصول إلى العملات الأجنبية داخل القطاع المصرفي الرسمي.

ونتيجة لتلك الآليات، أصبح من المستحيل تقريبًا التفريق بين القطاعات المشروعة وغير المشروعة في ليبيا، مع تحرك النقد باستمرار بين الاقتصاد الرسمي والسوق السوداء، ما يسهل عمليات غسيل الأموال عبر إعادة تدويرها في الحسابات البنكية التجارية، وإرسالها إلى الخارج في صورة دولارات.

أثر غياب نظام مقاصة رقمي موحد
وبشكل أوسع، فإن الضعف المستمر للنظام المصرفي الرسمي يجعله معتمدًا بشكل حيوي على السوق السوداء في التحركات الأساسية لرأس المال بين شرق وغرب البلاد. وبما أن الفرع الشرقي لمصرف ليبيا المركزي لا يزال معزولًا عن نظام مقاصة المدفوعات في طرابلس، فإن الشبكة المصرفية بأكملها في البلاد تظل تعتمد على التحويلات النقدية المخصصة التي ينسقها المقر الرئيسي لمصرف ليبيا المركزي.

ولا يمكن سد هذه الثغرات إلا من خلال نظام مقاصة رقمي موحد. وقد سعت الأمم المتحدة إلى الاستفادة من المراجعة المالية التي أجريت دوليًا لمصرف ليبيا المركزي كوسيلة لدعم إعادة توحيده، ولكن دون جدوى.

وما لم يجر إحراز تقدم على هذه الجبهة، فإن السوق السوداء الليبية ستستمر في لعب دور لا غنى عنه في استقرار البلاد، مما يجعل الجهود المبذولة لمكافحة غسل الأموال صعبة.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
الهجرة وخروج المرتزقة في مشاورات العقوري والقنصل اليوناني
الهجرة وخروج المرتزقة في مشاورات العقوري والقنصل اليوناني
«المالية» تستحوذ على 45% من إجمالي المرتبات .. تليها الشؤون الاجتماعية و«الداخلية»
«المالية» تستحوذ على 45% من إجمالي المرتبات .. تليها الشؤون ...
توقيف 3 أجانب تورطوا في إخفاء جثة بطرابلس
توقيف 3 أجانب تورطوا في إخفاء جثة بطرابلس
وفد مصري يعاين فرص إجراء جراحات القلب المفتوح في بنغازي
وفد مصري يعاين فرص إجراء جراحات القلب المفتوح في بنغازي
عودة العمل في حقل ببئر الحمادة بعد توقف 9 أعوام
عودة العمل في حقل ببئر الحمادة بعد توقف 9 أعوام
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم