دعت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، كلوديا غازيني، الأمم المتحدة والقوى الدولية إلى دعم المقترح الذي قدمه سياسيون ليبيون بإنشاء حكومة وحدة جديدة وموقتة قبل إجراء الانتخابات الوطنية، معتبرة أنها ستكون خطوة صوب إنهاء حالة الجمود السياسي في البلاد.

ولفتت، في مقال نشره الموقع الإلكتروني لمجموعة الأزمات الإثنين، إلى أن الأزمة السياسية في ليبيا اتخذت منحنى جديدا بعد موافقة مجلس النواب على مقترح لتعيين حكومة موقتة لتوحيد المجالس التنفيذية المتنافسة في البلاد، في إطار خارطة طريق لإجراء الانتخابات الوطنية.

واتخذ المجلس هذا القرار بدعم من ممثلين من المجلس الأعلى للدولة، وقائد القيادة العامة للجيش المشير خليفة حفتر. وفي حال حشد هذا المقترح الدعم الكافي، ترى الباحثة أنه «سيكون خطوة مهمة صوب إنهاء الانقسام الذي وضع ليبيا تحت سلطة حكومتين متنافستين خلال السنوات الماضية».

مقترح الحكومة أولا بين مؤيد ومعارض
لفتت الباحثة إلى أن مقترح تشكيل الحكومة أولا يواجه معارضة من داخل ليبيا وخارجها، إذ يرى البعض أنه يقوض الجهود المتعثرة بالفعل لإجراء الانتخابات، ويخاطر بتقويض السلام الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عام رغم الانقسام الشديد.

ورغم إصرار الأمم المتحدة على إجراء الانتخابات قبل تشكيل حكومة، وهو ما يعني بقاء الحكومتين في طرابلس وفي شرق ليبيا لفترة زمنية أطول، توصلت لجنة «6+6» خلال مداولاتها إلى أن وجود حكومة موقتة خطوة ضرورية أولى. ووضعت خطة لتحقيق هذا الهدف، وهي الخطة التي حظت بموافقة مجلسي النواب والدولة.

على الجانب الآخر، يرى مؤيدو المقترح أنه مسار واعد لإعادة توحيد البلاد، بالنظر إلى التحديات، التي يعتبرها البعض «مستحيلات»، أمام إجراء الانتخابات العامة، مع انقسام الحكم بين هيئتين متنافستين.

وتقول الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية: «يبقى أن نرى ما إذا كانت تلك الخطة قابلة للتطبيق، وهو أمر سيعتمد جزئيا على الدعم الخارجي. إذا كانت عملية اختيار رئيس الوزراء لتشكيل هذه الحكومة واضحة وشفافة، فيجب على الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، الموافقة على هذا المسار، والذي يمثل مخرجا ملموسا لتجاوز حالة الجمود السياسي التي ابتليت بها ليبيا لفترة طويلة».

خلاف مستمر حول السبيل الأمثل لتوحيد ليبيا
ووفقا للباحثة، تقبع قضية توحيد ليبيا في قلب الجدل حول المقترح الجديد. فمنذ الإطاحة بمعمر القذافي العام 2011، غرقت ليبيا في مأزق تلو الآخر، بما في ذلك انقسام البلاد إلى قسمين في أعقاب انتخابات برلمانية مثيرة للجدل بالعام 2014.

ولا يزال الخلاف قائما بين الفاعلين المحليين والدوليين حول السبيل الأمثل لإعادة توحيد البلاد، سواء عبر الانتخابات أم اتفاق لتقاسم السلطة أو وضع دستور جديد. كما أن هناك خلافا حول من سيقود تلك الجهود: الحكومات المتنافسة أم فاعلون سياسيون أو هيئة بقيادة الأمم المتحدة.

تشير غازيني إلى أن الدعوات لتشكيل حكومة وحدة موقتة بديلة لحكومة عبدالحميد الدبيبة ليست بالجديدة؛ إذ تبنى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري علانية الفكرة خلال الأشهر الماضي، لكنها قالت إنه «ليس من الواضح ما إذا كان الدافع هو الحماس الحقيقي لتشكيل حكومة تتولى تنظيم الانتخابات أم العداء صوب الدبيبة».

- بعد اعتماد «النواب» خارطة الطريق.. كلوديا غازيني تتحدث عن «مزايا» الخطوة وتتساءل حول الموقف الدولي
- خبير سياسي: لا حلول مع بقاء الأجسام الحالية.. وتوافق لجنة «6+6» مستبعد
- لجنة «6+6» تعلن التوافق حول النقاط المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة وأعضاء مجلس الأمة
- لجنة «6+6» تدعو إلى تشكيل حكومة موحدة تمهد لإجراء الانتخابات

وعلى الرغم من إعلان لجنة «6+6» أن التوقيت قد حان لتشكيل حكومة وحدة موقتة، بالنظر إلى تمكنها من حل بعض القضايا العالقة مثل ترتيب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومتطلبات الترشح للانتخابات، إلا أن أعضاء مجلس النواب والدولة لم يوافقوا على قوانين الانتخابات المقترحة التي وضعتها اللجنة.

وقالت الباحثة: «قد تتغير تلك الخطة في أي وقت. يرى بعض أعضاء مجلس النواب أن مجلس الدولة لا يجب أن يكون جزءا من الترتيبات، على أساس أنه مجرد مجلس استشاري. ويجادل آخرون بأن اختيار حكومة يجب أن يجرى بعد موافقة النواب على قانون الانتخابات بدعم من مجلس الدولة، ما يثير بالتبعية تساؤلات حول الصلاحية القانونية لهذه الخطة».

عوائق أمام اختيار حكومة وحدة موقتة
بالرغم من اتفاق مجلسي النواب والدولة على الحاجة لاختيار حكومة وحدة موقتة، تتحدث الباحثة بمجموعة الأزمات الدولية عن وجود عديد العوائق تحول دون تحقيق هذا الهدف، أولها هو رفض الدبيبة ومؤيديه استبداله رئيسا للوزراء من دون انتخابات.

وقالت: «يمكنهم حشد المجموعات المسلحة التابعة لهم في طرابلس لإبقائه في السلطة. في هذه الحالة، قد تندلع اشتباكات بين مؤيدي الدبيبة ومعارضيه، أو خطف الشخصيات المرتبطة بجهود استبدال الدبيبة، وهو تكتيك شائع الاستخدام في ليبيا لإسكات المعارضين السياسيين. يمكن لأي من هذه الأحداث أن توقف عملية الاختيار ويكون لها آثار مزعزعة للاستقرار».

العائق الثاني المحتمل، حسب غازيني، هو غياب دعم اللاعبين الدوليين الرئيسيين للمقترح، فقد عارضت الأمم المتحدة على الفور تلك الفكرة، معتبرة أنها تعرقل المساعي الجارية لتمهيد الطريق أمام إجراء الانتخابات الوطنية.

وفي بيان، يوليو الماضي، اعتبرت البعثة الأممية في ليبيا المقترح «مبادرة أحادية الجانب» محذرة من تداعياتها الخطيرة. هذا الموقف أثار رد فعل غاضب من مجلس النواب، الذي اتهم البعثة بـ«تضليل الشعب الليبي في وصف المبادرة بأحادية الجانب»، مؤكدا أن الخطة المقترحة تتماشى مع اتفاق الصخيرات، الذي يتطلب موافقة المجلسين على السياسات الرئيسية.

مواقف عربية وغربية متباينة من مقترح تشكيل حكومة موقتة
أما القوى الغربية فقد نأت بنفسها عن مقترح تشكيل حكومة موقتة. وجددت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، في بيان مشترك، التأكيد على الحاجة إلى معالجة القضايا العالقة فيما يخص الإطار الانتخابي، وأكدت على أهمية التركيز على مطالب الشعب الليبي بإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.

وعلى الجانب الآخر، تتباين موافق اللاعبين من قوى الشرق الأوسط كذلك، حسب غازيني، التي أشارت إلى دعوة القاهرة لاحترام حكم المؤسسات الليبية وتجنب التدخل الخارجي من أي طرف، وهو ما يشير إلى دعم مصر لمقترح الحكومة الموقتة. ولم تعبر الإمارات من جانبها عن موقف واضح، لكن من غير المحتمل أن تلقي بثقلها خلف مبادرة لجنة «6+6».

وقالت الباحثة «تفضل الإمارات اتفاقا بين الدبيبة وحفتر باعتباره الحل الأفضل للمضي قدما، وحاولت التوصل إلى ترتيبات بينهما خلال العام المنصرم. قطر أقل حماسة بخصوص اتفاق بين الدبيبة وحفتر، لكنها تعتبره حلا أكثر واقعية من أي خيار آخر يتطلب استبدال الدبيبة».

فرص إنهاء الجمود السياسي في ليبيا
ترى الباحثة غازيني أن «احتمال إجراء انتخابات في ليبيا بات أبعد من أي وقت مضى، لهذا على الأرجح ستكون الأمم المتحدة والحكومات الأجنبية أكثر تشددا فيما يتعلق بتشكيل حكومة وحدة كخطوة أولى ضرورية قبل الانتخابات».

وفيما أكدت الباحثة أن الانتخابات هي أفضل طريق للمضي قدما في ليبيا، إلا أنها أشارت إلى الانقسام المستمر حول القضايا الشائكة ذاتها التي تسببت في تأجيل الانتخابات بالعام 2021، وهي معايير الترشح للانتخابات الرئاسية وتسلسل الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

- باحث بـ«الأزمات الدولية»: ضعف الضغوط على الأطراف الفاعلة يؤخر الحل في ليبيا
- «الأزمات الدولية» تحدد ثلاثة عناصر تخفف من خطر نشوب حرب جديدة في ليبيا

وقالت: «فرصة التغلب على هذه الخلافات في الوقت الحالي منخفضة للغاية، على الرغم من الحلول التي تقدمها لجنة (6+6) يميل السياسيون الليبيون إلى الإعلان عن دعمهم للانتخابات ولكنهم يتراجعون في هذا التأييد حينما يرون أنها ستهدد تطلعاتهم السياسية».

وأضافت أن «الأمم المتحدة ليست في موقع فرض حل آخر على الأطراف الليبية. سبق واقترح المبعوث الأممي عبدالله باتيلي تعيين لجنة عليا من قبل الأمم المتحدة لإكمال خارطة الطريق الانتخابية وهو ما عارضه مجلسي النواب والدولة، كما حشدت مصر الأصوات داخل مجلس الأمن ضد المقترح، ما دفع باتيلي إلى التراجع».

ومع غياب أي بدائل قابلة للتطبيق على أرض الواقع، دعت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية القوى الغربية إلى التخفيف من حدة موقفهم فيما يتعلق بتشكيل حكومة موقتة قبل إجراء الانتخابات.

وقالت: «يتعين على القوى الغربية دعم المقترح بشرط اتفاق مجلسي النواب والدولة على تدابير شفافة وواضحة لانتخاب رئيس الوزراء، وإجراء تحسينات على الخطة المعتمدة، وتقديم التزامات تتعلق بكيفية تنظيم التصويت الداخلي، مع دعوة الأمم المتحدة للإشراف على عملية الاختيار للتأكد من نزاهتها. فمشاركة الأمم المتحدة ستقلل من فرص الطعن في النتيجة، كما حدث مع حكومة باشاغا في العام 2022».