استفادت ليبيا من مكاسب غير متوقعة على الصعيد الاقتصادي من حرب أوكرانيا التي أثرت على أسعار السلع الأساسية وأسعار الطاقة، في حين تمكن حكامها من «شراء قدرا من الهدوء الداخلي» بفضل ارتفاع عائدات النفط والغاز، وفق ما رصد ثلاثة معاهد غربية.

وأدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى إعادة تشكيل التوازنات السياسية والاقتصادية في منطقة شمال أفريقيا، فبينما تسببت في مكافأة مصدري النفط والغاز الكبار مثل ليبيا والجزائر تفاقمت التوترات في تونس والمغرب ومصر التي تعتمد على الطاقة. وهي المسألة التي ركز عليها ثلاثة معاهد دراسات في عمل مشترك نشر في الثالث من يوليو الجاري.

وأكد التقرير الصادر عن معهد «الكانو» الإسباني، والمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، ومعهد الشرق الأوسط الأميركي، مساهمة عائدات النفط والغاز المرتفعة في تعزيز فترة هدوء موقتة داخل ليبيا، فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، قدم الارتفاع العالمي في أسعار السلع الأساسية نعمة لمنتجي المحروقات في شمال أفريقيا؛ ما أدى إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية التقليدية بين مصدري الطاقة والمستوردين في المنطقة.

وخلال الأشهر الستة الأولى من الحرب تجاوزت أسعار خام «برنت» 100 دولار أميركي للبرميل، وتضاعفت أسعار الغاز ثلاث مرات، وقد استفادت ليبيا من هذه المكاسب المفاجئة، حيث سارعت الحكومات الأوروبية لإيجاد بدائل لإمدادات النفط والغاز الروسية، وعليه يشير التقرير إلى إبرام ليبيا، في يناير 2023 صفقة بقيمة ثمانية مليارات دولار مع شركة النفط الإيطالية «إيني» لزيادة إمدادات الطاقة رغم الانقسامات المستمرة في البلاد.

تخفيف تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية
ويلفت التقرير الذي أعده الباحث ريكاردو فابياني مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إلى تخفيف القفزة المفاجئة في عائدات النفط والغاز من تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة رغم عدم كفاية الإنتاج الزراعي في ليبيا.

في الوقت الذي ارتفعت فيه عائدات النفط والغاز، ما أدى إلى دعم الحسابات الجارية والمالية، اشتد الانقسام بين المؤسسات الليبية وبرز في الخلاف بين حكومة الوحدة الوطنية الموقتة ومجلس النواب الذي لم يوافق على الميزانية السنوية. ورغم ذلك لا يزال رئيس الحكومة، عبدالحميد الدبيبة، يمول الأجور والإعانات من خلال إنفاق ما هو مصرح به في الميزانية السابقة كل شهر، وفق التقرير.

سفير روسيا يحذر من تسرب أسلحة الحرب في أوكرانيا إلى أفريقيا عبر ليبيا
الأمم المتحدة تراقب تأثير الحرب بين روسيا وأوكرانيا على ليبيا
«الإسكوا» تضع سيناريوهين حول تأثير النزاع الأوكراني على اقتصاد ليبيا
مخاوف من استياء شعبي لارتفاع فاتورة الغذاء.. وأسعار الطاقة في صالح ليبيا

في المقابل، يوضح التقرير كيف أدى الوضع المالي العالمي الذي أعقب ارتفاع التضخم إلى جعل ليبيا من كبار منتجي النفط والغاز في المنطقة غير المتأثرين بسبب انخفاض مستويات ديونها الخارجية. ورفع الاحتياطي الفدرالي الأميركي معدل الفائدة تدريجيا من 0.25% في مارس 2022 إلى 5% في مارس 2023 في محاولة لكبح التضخم المتزايد ومع ذلك لم يكن لذلك أي تأثير تقريبا على ليبيا.

إعادة ترتيب الوضع الاقتصادي بالمنطقة
كما عرج خبراء المعاهد الغربية على تسبب حرب أوكرانيا في إعادة ترتيب الوضع الاقتصادي على مستوى المنطقة بتعزيز موقع مصدري الطاقة مع الكشف عن نقاط الضعف الموجودة مسبقا في الدول الفقيرة. وبينما استفادت الجزائر من هذه المكاسب غير المتوقعة لتعزيز نفوذها الإقليمي، اشترت ليبيا «قدرا من الهدوء الداخلي» بفضل ارتفاع عائدات النفط والغاز. من ناحية أخرى، حاولت مصر وتونس التهرب من معضلات الإصلاح الصعبة التي تفرضها قيود الديون الخارجية.

وفي هذا السياق، رغم استمرار انقسام المؤسسات وتقويض الحكم في ليبيا، إلا أن ارتفاع عائدات المحروقات أسهم في الهدوء الأخير في البلاد. ويشير التقرير إلى ما بين أبريل ومايو 2022 حين دفعت التوترات بين المؤسسات في شرق وغرب ليبيا بشأن السيطرة على عائدات النفط، قائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر إلى إغلاق مواقع الإنتاج والتصدير ما قلل من إجمالي الصادرات.

وأدت هذه الخطوة إلى رفع أسعار النفط عالميا، ما دفع الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى إلى محاولة التوسط بين الجانبين في ليبيا. وفي يونيو مكنت الضغوط القادمة من الولايات المتحدة والإمارات من إبرام اتفاق بين الدبيبة وحفتر، ما أدى إلى استئناف الإنتاج والتدفق السلس لصادرات الطاقة والأرباح، وفق التقرير.

كما أنه على مدى الأشهر التسعة الماضية، أشار التقرير إلى «امتناع المسؤولين والميليشيات في ليبيا من طرفي الصراع عن القيام بعمليات عسكرية كبيرة لأنها استفادت من إعادة توزيع ريع المحروقات»، لكن هذا الترتيب جمد أيضا الوضع الراهن على حساب الدعوات الدولية والمحلية للوصول لتنظيم الانتخابات.

مكاسب الجزائر من حرب أوكرانيا
وبالنسبة للدولة المجاورة الجزائر، فقد استفادت دوليا بسبب المكاسب غير المتوقعة في مجال النفط والغاز. إذ أدى دور الجزائر كمورد رئيسي للطاقة إلى أوروبا إلى تسهيل التقارب الدبلوماسي مع فرنسا، وتوثيق العلاقات مع إيطاليا والتعاون مع الاتحاد الأوروبي.

فقد عززت الزيادة في عائدات النفط والغاز عزم الجزائر على استعادة دور أكثر استباقية في السياسة الخارجية كما يتضح من مجموعة من المبادرات التي اتخذتها الجزائر في الاتحاد الأفريقي، وفي منطقة الساحل وحول القضايا المتعلقة بفلسطين والصحراء الغربية وتونس.

وعلى سبيل المثال في فبراير 2023 أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون صندوقا جديدا بقيمة مليار دولار أميركي لتمويل مشاريع التنمية في أفريقيا، وهو جزء من استراتيجية لإعادة تأكيد مركزية البلاد في القارة ولم يكن هذا ممكنا إلا من خلال الوضع الاقتصادي المريح الذي وجد البلد نفسه فيه في أعقاب ارتفاع مداخيل الطاقة.