صدر بإسبانيا طبعة جديدة لكتاب «رسائل إلى فيليس» الذي يضم 500 رسالة أرسلها فرانس كافكا إلى حبيبته فيليس باور كتبت في الفترة من 1912 إلى 1917، وهي الفترة المهمة في حياة كافكا ككاتب؛ حيث ألف فيها روايته الفارقة «المسخ» ورواية «في مستوطنة العقاب» وبداية عمله على رواية «المحاكمة».
وننشر هنا إحدى تلك الرسائل التي جاء فيها:
لم يتبق شيء لم يقال يا فيليس، لا تخافي بأي شكل بما يتعلق بهذا الأمر، ربما أدركت تقريبًا أهم ما يجب أن تدركيه بالتحديد.
هذا ليس لومًا، هذا ليس حتى ظل لوم، لقد فعلتِ إنسانيًا كل ما يمكن فعله، ومن المستحيل عليكِ أن تلتقطي ما ينقصك، ما من أحد يستطيع أن يفعل شيئًا شبيهًا، بداخلي أنا وحدي يكمن هذا القلق والألم، يعيش داخلي مثل الحية، وأنا أتأملها بلا هدنة، وأعرف وحدي ظروفها بالفعل، هذا القلق والألم لا تعرفينه إلا من خلالي، عبر خطاباتي، وما يصلك منه من خلالها لا يرتبط مع الواقع، الذي يشير للفزع، بالمثابرة، بالعظمة، بالانهزام، بنفس الطريقة لا يرتبط بالواقع الذي أكتبه، وهذا الذي يتضمنه في فجوة لا تذلل.
هذا ما أراه بوضوح عند قراءة خطابك الساحر والمطمئن الذي أرسلتِه أمس، والذي بذلتِ جهدًا في كتابته لتنسي كلية ذكرى إقامتي في برلين، ما يلفت انتباهك ليس حياة زيجة سعيدة تريها تمر من أمام عينيك في ويسترلاند، ليست الثرثرة المتحمسة التي يستسلم لها رجل وامرأة بذراعين متعانقين، بل الحياة الخامدة لرجل سيئ الطبع يجلس بجانبك، حزينًا، قليل الكلام، تعيسًا، مريضًا، وقد يبدو لك ذلك هذيانًا، مقيدًا بقيود غير مرئية، بأدب غير مرئي، رجل يصرخ عندما يقترب منه أحد لأنه يلمس أغلاله.
أبوك يتأخر في رده، وهو أمر منطقي، لكن من يتأخر في أسئلته، برأيي، يبرهن أن تحفظاته فقط من نوع عام، ما يجعل هذه الأسئلة تبدو ملغية أكثر منها ضرورية، وبطريقة خادعة كلية، بينما على الجانب الآخر، يمر دون انتباه على مقاطع رسالتي اللافتة التي أتقدم بها إليكِ، لا يمكن أن أقبل هذا الأمر، قلت ذلك لنفسي طوال الليلة الماضية، وكتبت مسودة لرسالة هدفها أن أفهّمه هذا، لم أنته منها، ولا أفكر في إرسالها، ولم تكن إلا فضفضة لم تستطع حتى إن تخفف عني.
تعليقات