Atwasat

«جدلية المجال والهوية».. ليبيا تحت مجهر الدكتور محمود أبوصوة

طرابلس - بوابة الوسط الجمعة 29 سبتمبر 2023, 08:27 صباحا
WTV_Frequency

في كتابه «جدلية المجال والهوية .. مدخل لتاريخ ليبيا العام» الصادر عن دار الرواد ينفذ الدكتور محمود أبوصوة إلى قراءة تقارب الفهم العلمي في علاقة التاريخ بالسياسة والجغرافيا كذلك، إضافة مصبات أخرى لها تأثيرها في واقع المتغيرات على امتداد عمر وتشكل الدولة الليبية ما قبل وما بعد الاستقلال. في هذا العرض نقدم ملمحاً بسيطاً من أسلوب الباحث في نظرته إلى مسألة البحث التاريخي والزاوية التي ينبغي النظر من خلالها.

ويبين المؤلف في مقدمة كتابه الذي يضم 662 صفحة، أن هذا المبحث يهدف تعريف الطالب وأنا أضيف القارئ بشكل عام إلى مجموعة من المفاتيح بحسب تعبيره تساعده على رؤية تاريخ بلاده من منظور ديناميكي، فاللجوء إلى مفتاح واحد سيؤدي بالضرورة إلى نتائج غير دقيقة، إضافة إلى جانب مهم وهو الخروج من قوالب الكتابة التقليدية للتاريخ المختزلة في أرقام وتواريخ والتعصب للوثائق التي يعتبر أنصارها نقطة بداية التاريخ ونهايته، في حين وجب إدراك أن الأخيرة لا معنى لها إذا لم يجر تحليلها وسبر أغوارها، فالتاريخ على رأي أبوصوة علم تأويل لا أكثر ولا أقل، فضلا عن ذلك أن التاريخ قبل أن يكون مجموعة أخبار مرتبة زمنياً فهو علم لا يحتكم إلى مفاهيم خاصة به وحسب بل وإلى فلسفة أيضاً تميزه.

أقاليم وحقائق ليبية
يناقش الفصل الأول من الكتاب المكون الجغرافي لليبيا من خلال أقاليمه الثلاثة (برقة وطرابلس وفزان) واضعاً في الاعتبار ملاحظة أن تاريخ البلاد الرسمي ارتبط أكثر بإقليم الساحل الذي عرف في المراحل الأولى قيام قوى مهمتها السيطرة عليه وضم بقية الأقاليم، وهنا يشير المؤلف إلى أن الأعمال التقليدية والحديثة على السواء اكتفت على حد سواء بالإشارة إلى إقليم الساحل، الإقليم المتحضر، وإقليم الداخل أو الصحراء المنضوي مرة تحت هيمنة الساحل والرافض لهيمنته مرات، وبذا فإن ثنائية التناوب المحببة لقلوب الجميع والغربيين على وجه التحديد لا يمكن تجاهلها، غير أنها تشكو من عدة عيوب كما يرى أبوصوة، وهي أن ليبيا لا تتكون من إقليمين فقط بل من مجموعة أقاليم.

- للاطلاع على العدد 410 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وبناء على هذا فإن جوهر الصعوبة فيها عائد على تنوعها الذي يعني التعددية، والمسألة الأخيرة هذه تعد من المواضيع المحرمة (تابو) بالنسبة للدارس المحلي لكنها تشكل منفذا رئيسا للأعمال الأجنبية، وإذا أخذ الأوروبيون عامل التجزئة كظاهرة تعاني منها ليبيا وجميع دول المغرب فإن التجزئة تعتبر وفق وجهة النظر هذه وببساطة غياب التجانس، وهذا صحيح لكن ما فات هؤلاء وهؤلاء أن التجانس غير التناغم، ومع ذلك نوهت العديد من الأعمال الغربية من القرن الخامس قبل الميلاد (هيرودوت) إلى القرن الواحد والعشرين (فاندوال) مرورا بالقرن التاسع عشر (ناختيجال)، إلى تجانس الإقليم لكنه تجانس من نوع خاص.

ويخلص الكاتب أن رصد ليبيا في شكلها الموحد يجب ألا يخفي عنه مجموعة المراحل التي مرت بها لتصبح إلى ما عليه الآن، فالحرص على وحدة ليبيا الترابية أمر مهم وجوهري بالنسبة لتاريخ البلاد المعاصر لكن الجهل بمرحلية الظاهرة بحسب وصفه أي ظاهرة وحدة المجال تفقد تاريخ البلد حيويته وتقصيه عن المسار الكوني للظاهرة فالأقاليم لا تظهر دفعة واحدة ولا تشكل بفعل مكون اجتماعي واحد.

الجغرافيا والزمن
في سياق رصده لمراحل تشكل المجال الليبي، يتوقف أبوصوة عند العصور القديمة، مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث عن جغرافيا خاصة بليبيا في عصور ما قبل التاريخ، لأسباب أهمها أن اسم ليبيا لم يظهر عند الإغريق إلا في القرن التاسع قبل الميلاد، ففي هذا الأخير تقترح بعض المراجع جرت لأول مرة الإشارة إليها في الأوديسا إلى اسم ليبيا كوحدة جغرافية تشمل بلدان المغرب العربي كما تبنى هيرودوت التسمية نفسها مع بعض التحويرات حيث أطلق اسم ليبيا تارة على القارة الأفريقية وأخرى على الجزء الغربي لمنطقة شمال أفريقيا.

ومن جانب آخر، فإن أعمال التنقيب التي قامت بها ولا تزال تقوم بها البعثات الغربية، كشفت العديد من جوانب تاريخ ليبيا لمرحلة ما قبل التاريخ وهذا الجهد الذي شمل مرحلة التاريخ (الفينيقي والإغريقي والروماني) لا يمكن التقليل من شأنه لكن اللافت كما يقول المؤلف أن الأعمال الغربية الحديثة وإن التفتت إلى تاريخ المنطقة لمرحلة ما قبل التاريخ فإنها لم تحرص على القفز على مرحلة تقدر بعشرة آلاف سنة من تاريخ البلاد فحسب بل وتعمدت كما سبق التنويه تناول تاريخ المنطقة انطلاقا من انقسامها إلى إقليمين، وهذا لا يتحمله الغرب بمفرده، ففي ظل عزوف المحليين عن القيام بعمليات تنقيب من ناحية واعتمادهم على التأويلات الغربية الجاهزة من ناحية أخرى اكتسبت هذه الأخيرة شرعية شبه مطلقة.

- للاطلاع على العدد 410 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وفي محطة أخرى تناول الدكتور أبوصوة ما يتعلق بالكتابة التاريخية في الأدبيات الليبية ما قبل وما بعد 1969، منوها بأن غياب بعض المتطلبات الموضوعية لكتابة تاريخية معاصرة مثل غياب سلطة مركزية في ليبيا في مرحلة ما قبل الاستقلال، لم يمنع بعض الليبيين من خوض غمار تاريخ ليبيا استنادا على مخيال ليبيا الجماعي منهم البحاث (مصطفى بعيو ومسعود فشيكة)، وما يجدر الإشارة إليه بحسب رأي المؤلف أن مساهمتهما لم تستعرض تاريخ ليبيا منذ أقدم العصور إلى العصر الحديث فقط بل ويتعاملان مع ليبيا كإقليم واحد قبيل حصول البلاد على استقلالها، لذا يحسب لهما هذه الإشادة وإن بدت أعمالهما غير مطابقة للكثير من المواصفات العلمية إلا أن خوضهما لهذا الاتجاه كان من الصعوبة في وقت كانت فيه نسبة الأمية تفوق التسعين في المئة.

وإذ يتوقف المؤلف عند كتاب بعيو (المجمل في تاريخ لوبيا من أقدم العصور إلى العصر الحاضر) الصادر سنة 1947 وإصدار لمسعود فشيكة له ذات الاتجاه صدر 1948، يؤكد على مسألة التأثير الأوروبي إلا أنه يلاحظ في كتابات اللاحقين وإن اهتموا بتاريخ البلاد إلا أنهم تجاهلوا تاريخ البلاد العام برغم وجود سلطة مركزية ووعي لدى المثقفين بوحدة البلاد، والإجابة كما يراها أبوصوة لا تبتعد كثيرا عن دائرة السياسة ومنظومة السلطة المركزية، فالأخيرة سواء كانت عميلة أم وطنية فإنها تمتلك النفوذ، ما يجعل التاريخ يخضع لرؤيتها ويستجيب لرغباتها، ولأن تاريخ البلاد العام لا يخدم كثيرا مصالحها الآنية أو هكذا يتبدى لها فإنها تنتقي من مراحل البلاد المختلفة ما تراه مناسبا لرؤيتها وتضمنه البرامج التعليمية وتتجاهل بقية المراحل التي لا تخدم فلسفتها.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
بينهم ليبيون.. أكثر من 1000 مبدع ومثقف من 141 دولة يدعون إلى وقف فوري للحرب في غزة
بينهم ليبيون.. أكثر من 1000 مبدع ومثقف من 141 دولة يدعون إلى وقف ...
يختتم فعالياته اليوم .. مقتنيات تاريخية نادرة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب
يختتم فعالياته اليوم .. مقتنيات تاريخية نادرة في معرض أبوظبي ...
مسؤول ليبي أمام منتدى باكو: ليس للبشرية سوى الثقافة كجسر حضاري لتحقيق السلام
مسؤول ليبي أمام منتدى باكو: ليس للبشرية سوى الثقافة كجسر حضاري ...
أيمن الهوني ينطلق من جديد
أيمن الهوني ينطلق من جديد
احتفالات بالمئوية الثانية لولادة سيمفونية بيتهوفن التاسعة
احتفالات بالمئوية الثانية لولادة سيمفونية بيتهوفن التاسعة
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم