بين الكتابة والصورة: دار كريستا تستضيف ذاكرة الحياة عبر ألبوم ليبيا

بين الكتابة والصورة: دار كريستا تستضيف ذاكرة الحياة عبر ألبوم ليبيا

غلاف كتاب «ألبوم ليبيا» لنخبة من الكتاب والصحفيين والفنانين (أرشيفية: الإنترنت)

يبحر نخبة من الكتاب والصحفيين والفنانيين عبر ذاكرتهم محاولين الإمساك بجذوة اللحظة عبر الصورة، ورغم سفرها البعيد الممتد عبر الزمن، إلا أن الكتابة تضغط بين الحين والآخر على زر الاسترجاع لتصبح الصورة حاضرة في زمننا الآني وماثلة في مخيلة الاستذكار العتيدة للتأمل والمقارنة.

هكذا كانت رحلة كتاب ألبوم ليبيا التي أشرفت عليه مؤسسة «آريتي للثقافة والفنون»، وحرر مادته كل من ليلى المغربي، وطه الكريوي، وخالد مطاوع، وريم جبريل.
ويهدف إلى التعريف بليبيا من وجهة نظر مغايرة لما يجري تسويقه في الإعلام، إذ نرى الأطلال على مفردات الجمال والتنوع في البيئات الثقافية وحضور العنصر التاريخي والتراثي.

روح «ألبوم ليبيا» وقاموس الزمن
للاقتراب أكثر من روح الألبوم، استقبلت دار كريستا في الأول من أغسطس معرضاً يضم طيفاً واسعاً من الصور ولمحة تعريفية لها بتوقيع كتابها، تنقل كل منها حكاية وموقف وحدث شكّل لوحة نفسية أثيرة لمُعايشها، فمثلاً ترجع الكاتبة فريدة الحجاجي إلى أيام الطفولة باستذكار أيام الدراسة الثانوية، وينقلنا المصور طه الجواشي إلى أجواء الهجرة والوطن بقوله «الهجرة جعلتني أرجع طفلاً من جديد»

ويختار الكاتب جمعة بوكليب الانتقال من صورته القديمة إلى سؤال آخر خلالها معلقا: «هل تلك الريبة ناجمة عن كوني أقف وجهاً لوجه للمرة الأولى أمام آلة ومصور؟ أم أنها بسبب المكان الذي وجدتُني فيه غريباً؟». وتحت عنوان (صورة زفاف مؤجلة) تقول ليلى المغربي: أبي وأمي لم يحظيا بصورة زفاف، لهذا أراد أبي لاحقاً أن تكون لهما صورة بديلة فذهبا إلى استوديو تصوير في دمشق منتصف الستينيات... إلى آخر الحكاية. وفيما يدون الروائي إبراهيم الإمام بعضاً من فسيفساء عين الفرس، تحكي الكاتبة فاطمة غندور عن خالتها حليمة.

تمضي رحلة الألبوم يومي الثاني والثالث من أغسطس إلى فناء بيت محمود بي حيث ألقى مجموعة من كتاب الألبوم نصوصهم أمام الجمهور، فيما عُقدت ندوة عن الأطروحات التي يثيرها الألبوم، أدارتها الصحفية فتحية الجديدي بمشاركة الكتاب والشعراء منصور أبوشناف ومريم سلامة وفاطمة غندور وعبدالحكيم كشاد وخالد مطاوع وريم جبريل، حيث احتفت الورقات بسلطة الصورة وذاكرة الكتابة.

- الثلاثاء.. إطلاق مشروع «ألبوم ليبيا» بالمدينة القديمة في طرابلس
- «ألبوم ليبيا».. جدارية فنية ومشروع ثقافي

مريم سلامة: لولا الألبوم ما كنت لأعرف أن فلاحاً أمياً كان يملك شغفاً بمظاهر الحياة العصرية
ترى الشاعرة مريم سلامة أن هذه المواجهة مع الصورة المختارة تضعنا أمام صدق نادر في طبيعته، فالتوجه للصورة واستلهامها في نص يستمطر مشاعر دافقة وصادقة وغالبة تحتم عليه الكشف عن براح ذاتي عاشه بكل ما فيه وصار جزءاً منه، ووحده يحمل مفتاحه في ذاكرته والآن هو على وشك أن يرمي المفتاح ويكسر القفل ويجعل من البراح الفرد صفحة في كتاب للجميع.

وأضافت أن الألبوم يمثل سفيراً مهماً وملهماً لتاريخ ليبيا الثقافي والاجتماعي والسياسي، عدا أنه ينحت في التاريخ الخفي للأفراد وتخلص مريم بالقول: «لولا ألبوم ليبيا ما كنت لأعرف حجم العلاقة التي ممكن أن تربط فتاة ابنة هذا العصر الحديث بخالتها وهي ابنة ذلك العصر العريق.. وما كنت لأعرف أن فلاحاً ليبياً أمياً بسيطاً كان يملك في قلبه توق و شغف بمظاهر الحضارة والحياة العصرية الجميلة في زمن التقشف و البداوة».

عبدالحكيم كشاد: ما يلجأ إليه المبدعون في هذه الصور هو إعادة صياغتها في بعدها اللغوي.
وعن الحياة والهوية تحدث الشاعر عبدالحكيم كشاد عن جملة من التكوينات البصرية والمقاربات الفلسفية التي تجسر العلاقة بين الكتابة والصورة من جهة وبين الذات الحاملة لتاريخها الثقافي وصور تحولاتها الزمنية عبر العدسة، ففي الكتاب بحسب تعبير كشاد ما يشكل الهوية في هذه الصور منسجمةً مع الفكر التأويلي الذي انساق له الحديث في الذكريات المصاحبة والتي يكوّنها الشخص عن نفسه وعن علاقاته مع مجموعته الاجتماعية.

وواصل شارحاً أن ما يقصده تحديداً ذاكرة الصورة في السياق المعرفي التي يُفهم منها، وإعادة إنتاجها عبر مكونات معرفية ثقافية تعطي الصورةَ دلالتها المستقبلية انطلاقاً من الماضي عبر شريط الذكريات والتي تُبنى على واقعيةٍ بصرية بوصفها صورةً قابضة على لحظة ما، ونحن نعمل كمتلقين على تفكيك رموزها وإعادة تفسيرها.

وأوضح : إن ما يلجأ إليه المبدعون في هذه الصور هو إعادة صياغة الصورة في بعدها اللغوي، وهو ما يجعل المبدع يدخل بها الوعي النقدي ويدفع بها للحياة إلى الأمام، في حركة تؤكد هذه الهُوية وتلك الخصوصية بامتلاكها الفردي في شكلها المجتمعي العام».

فاطمة غندور: مادته تجمع بين الألفة والشجن الحزين والقسوة
وتعبر الكاتبة فاطمة غندور عن وجهة نظرها كمشاركة وكقارئ للألبوم فهي ترى: أن مادته حتى وهي متباينة في نسجها فنياً، وبقدر ما فيها من ألفة وحميمية، فيها شجن حزين وقسوة، وحتى ضجر!، كتابة تمثل عصفاً لقضايا ورؤى، لم تعد مركونة بأدراج الذاكرة، قصص مُعاشة لأصحابها لم تروى من قبل.

كما تنفذ غندور إلى جانب مهم من الألبوم وهو مادته النسوية ففيه «مساحة مؤثثة بما يعوّل عليه تاء التأنيث، فأكثر من نصف الألبوم بقائمة حروف الأبجدية هو متن خاص بهن، أو يدور حولهن، أما الكادر فتبزغ فيه المرأة كاشفة عن حضورها وجهاً وجسداً، فتجد منهن امرأة مناضلة في معتقلات الفاشية وهي سيرة نسوية مغيبة، ورائدة في مجال الخدمة الاجتماعية.

تسوس أسرتها في مجتمع محافظ، بنظم تربوية متجاوزة راهنها، ممثلة حافية بلا جمهور ترتجل رقصتها على مسرح أثري، حكّاءات إرث الأسلاف المزركشات بالشعر والغزل حتى يُجملن النهايات، شابة يافعة تتخذ من قضية دفاع عن ذاكرة المدينة شغلها الشاغل، وكما خالتي حليمة التي عاشت وحدتها قوية الذات حتى أرذل العمر.