Atwasat

«مرافئ».. عندما تنثر الألوان حكايا البحر

طرابلس - بوابة الوسط الجمعة 23 يونيو 2023, 06:03 مساء
WTV_Frequency

سلطة الذاكرة نافذة وحاكمة طوال امتداد ناموسها الضارب في القدم؛ لكنها لدى المبدع تصبح بمذاق ورائحة وشكل أكثر توهجاً من حيث هي محرك لذاكرة أخرى متصورة، حاضرة في الأولى عبر مادتها، وتبحر عبر جسدها الجديد متفجرة من الخيال في لحظة انبعاث كطائر الفينيق.

هكذا تعكس أعمال الفنان التشكيلي عماد عريبي في معرضه الذي نظمته الجمعية الليبية للفنون التشكيلية بعنوان (مرافئ) بدار حسن الفقيه ملامح من علاقة الفنان بالبحر وصياغة لونية أثيرة تنثر حكاياه في القوارب والشخوص والأسماك، وهو هنا يواصل استدعاء جزء من منابته الأولى بمرحلة الطفولة والشباب المتشكلة من نسيج الأمواج ورائحة الخشب والشباك.

ذاكرة القوارب

تحدث عريبي إلى «الوسط» عن تجربته الفنية في (مرافئ) بوصفها بلورة لمشاهداته العديدة وترجمة لتفاصيل التصقت بذاكرته وحورتها فرشاة المخيلة إلى مشاهد ترادف تلك الأجواء التي عايشها أولا كشاهد رفقة عائلته التي امتهنت حرفة الصيد ثم يمارسها كصياد يرمي الشباك وينتظر امتلاء الغلال، يرسل النظر إلى حيث تلتصق زرقة السماء بزرقة الماء، يحاور طيور النورس ويحادث الرياح، يرمق قبلة القارب للموجة ويتلذذ بشغف العودة إلى اليابسة موعودا مرة أخرى بأحاديث الصباح والمساء مع رفاقه ويستمع لذكريات (الرياسة) وهم يستعيدون بعضا من مغامراتهم.

يناظر الفنان تلك الفضاءات متبصرا في مدلولاتها محاولا في كل لوحة الإمساك بمشهد وموقف وتفكيكه لإعادة التركيب على وقع ينسجم ورؤيته الخاصة دون الخروج من مكونات عناصره البحرية حيث للألوان بصماتها في زرقة الأمواج وزبدها المتطاير اللامع في البياض إلى تدرجات البنية للصخور وتباينات الخطوط الراسمة لبطن القارب أو الجرافة.

وأضاف عريبي أن إبحاره التشكيلي في مرافئ هو توقيع لحبه للبحر الذي عززه معرفيا بدراسته في كلية الفنون وفيها كانت الإجابة عن كثير من تساؤلاته في الربط بين الموهبة والممارسة وما يتعلق بالزوايا والأبعاد وتقنية مزج الألوان وغيرها.

تاريخ عائلي

وبخصوص الأماكن، أشار الى أن لوحاته السبعة وعشرين هي (كوكتيل) بين الساحل الطرابلسي وسواحل أخرى في أعمال مختلفة الأحجام، ولا ينسى الفنان الشاب أن يوثق تاريخ العائلة في رمزية لوحة الراحل (الرايس عريبي) أحد الذين منحوا عمرهم لمهنة الصيد حتى أنه لقب بـ(الشلبة) كما يحكي عنه عماد، تجاورها لوحة وحيدة من مرفأ بمدينة محرز التونسية سجلتها ذاكرته في إحدى جولاته.

والملاحظ أن القوارب والجرافات لا تبدو لنا في حالة استعداد للإبحار بقدر ما نراها راسية في المرفأ أو تتكئ على رمال الشاطئ بعد خروجها من الخدمة وأخرى محطمة بفعل الزمن وظروف المناخ، طالتها الشيخوخة لكنها ظلت مجاورة للبحر كرفيق قديم يناجي أجيال الصيادين ويذكرهم بأسلافهم ويبعث موسيقاه الساكنة في مجاديفه كلما اندفعت أجسادهم إلى المياه تعارك قسوة الحياة أو عائدة من عمق الزرقة كلحظة ميلاد جديدة.

- مسيرة الفن التشكيلي الليبي في ندوة بطرابلس.

- الختالي يحاضر عن جذور الفن التشكيلي في ليبيا.

يشير الفنان عماد عريبي إلى لوحات دون فيها نوعين من الأسماك (الشلبة والسردينة) وأردف معلقا: (ما شدني إليها الألوان المنبعثة من أجسامها، قد تبدو للوهلة الأولى عادية ولكن بتأملها تتجلى لك بانوراما لونية مدهشة تمنح للناظر متعة جمالية في تدرجاتها، شيء لافت وعجيب)، وإلى زاوية بعيدة منا تشاغلنا لوحة (الشمادورة) وهي خفاف هوائي يضعه الصيادون أثناء رمي الشباك ويظل طافيا على سطح الماء دلالة على وجودها، إن الشمادورة في اللوحة لا تدل على وضعية حالة بذاتها بل عن مرموزيتها مع (الحواتة والرياسة) ورواية طويلة جدا مع اللون الأزرق.

في لوحة (عين الإبرة) وهي بوابة دخول وخروج الصيادين من وإلى المرفأ، تغادر أجساد البحارة العمران لتلتقي وجها لوجه مع الماء رافدهم رصيد إيماني بعناية ربانية وبصداقة لذوده مع مزاج موجي متقلب، إن لحظة التقاء الصياد بممر العين هي أنشودة العائد من المجهول إلى حيث صخب آخر في انتظاره، عدا أن الاتجاه المعاكس صوب البحر يعني البحث عن إكسير الحياة في أعماقه، وفي مفارقة عجيبة يلتقي الموت والحياة على متن القوارب المنطلقة بأزيز محركاتها حيث تقبض أيادي الرياسة على جمرة الخوف عامل الاتزان المرعب فهو الخوف على الحياة من غدر البحر كما هو الخوف من الجوع والفقر.

 

معرض (مرافئ) للفنان التشكيلي عماد عريبي بطرابلس. (بوابة الوسط)
معرض (مرافئ) للفنان التشكيلي عماد عريبي بطرابلس. (بوابة الوسط)
معرض (مرافئ) للفنان التشكيلي عماد عريبي بطرابلس. (بوابة الوسط)
معرض (مرافئ) للفنان التشكيلي عماد عريبي بطرابلس. (بوابة الوسط)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
قضاء نيويورك يعيد 30 عملا فنيا منهوبا إلى كمبوديا وإندونيسيا
قضاء نيويورك يعيد 30 عملا فنيا منهوبا إلى كمبوديا وإندونيسيا
خبراء يزعمون اكتشاف سر «لعنة» توت عنخ آمون
خبراء يزعمون اكتشاف سر «لعنة» توت عنخ آمون
ساعة جيب لأغنى ركاب «تيتانيك» تُباع بمزاد
ساعة جيب لأغنى ركاب «تيتانيك» تُباع بمزاد
طنجة المغربية تجذب كبار موسيقيي الجاز
طنجة المغربية تجذب كبار موسيقيي الجاز
الفنان مهدي كريرة يُدخل البهجة على أطفال غزة ويصنع الدمى من بقايا المساعدات (فيديو)
الفنان مهدي كريرة يُدخل البهجة على أطفال غزة ويصنع الدمى من بقايا...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم